للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسُرُّ مُقْلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَته ... لا مرحباً بسُرُورٍ جاء بالضَّرر

وقد تقدم أن في هذا نزل قوله تعالى: {من يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ به} [النساء: ١٢٣]، وقوله: {ومن يعمل مثقال ذرةٍ خيراً يَرَهُ} [الزلزلة: ٧]. وكانت البشرى النبوية هي في تقديم عُقوبة المؤمن بما يلقاه في دنياه، فصارت عقوبات الدنيا من أماراتِ الذُّنوب. وفي " العوارف " (١) أن بعض الصالحين وجد بعض متاعه قد أكله الفأر، فأنشد بيت الحماسة متمثلاً:

لو كنتُ من مازنٍ لم تَستَبِحْ إبلي ... بنو اللَّقِيطَةِ من ذُهْلِ ابنِ شيبانا

أي: لو كنت من الصالحين ما سطا عليَّ هذا الفأرُ.

ومن ذلك قوله تعالى: {إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ} [فاطر: ٢٨]، وفيها فوائد:

الأولى: أنه قصرَ الخشية على العُلماء، فلا تُوجَدُ في غيرهم، ولم يقصُرهُم على الخشية حتَّى لا يوجد فيهم غيرها من الرجاء، وسائر العقائد والأخلاق، وإنما خصَّ الخشية بالذكر هنا وحدها دون الرجاء وغيره، لأن الذي قبل الآية ذكر الكفر والتكذيب للرسل، إلى قوله تعالى: {ثُمَّ أخَذْتُ الذين كفروا فكيف كان نكير} [فاطر. ٢٦]. وهذا تخويفٌ شديدٌ، فلما كان لا تُؤثِّر خشيةٌ في قلوب الجاحدين، أخبر الله أنه لا يخشاه الخشية (٢) النافعة، أو المطلقة إلاَّ من لم يَكْفُر به، وبالمرجِع إليه، وكان عالماً بالله وبدار الآخرة فذِكْرُ هذا هو المناسب لهذا المقام.

الفائدة الثانية: أن الله ذكر بعد ذلك ما يُوجِبُ الرجاء من قوله: {إن الله


(١) ص ١٠٠، والبيت لقريط بن أنيف العنبري من قصيدة أوردها أبو تمام في أول الحماسة، وبعده:
إذن لقام بنصري معشرٌ خُشُنٌ ... عند الحفيظة إن ذو لوثةٍ لانا
(٢) من قوله: " بالذكر " إلى هنا ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>