للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بشم، فهلك، ومعناه: أنكم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا ينفعكم نصح الله ومواعظه، وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي؟ انتهى كلامه رحمه الله.

وقوله فيه: ولم يُلجئْهُ. إشارةٌ إلى مذهبه في أنه ليس في معلوم الله تعالى ولا في مقدوره لطفٌ لهم، وقد مرَّ بيان الصواب في ذلك، ومنه يعرفُ الجوابُ على مذهب أهل السنة في ذلك، ولله الحمد والمنة، وكلُّ أحدٍ يؤخذ من كلامه ويُتركُ إلاَّ أهل العصمة. نسأل الله التوفيق.

ولكن ينبغي التنبيه على لطيفةٍ، وهي أن للداعي للهدى حالين:

حال (١) تلطُّفٍ ودعاءٍ، فلا يحسُن فيها مثلُ هذا الكلام، وحال (١) غضبٍ وتهديدٍ ووعيدٍ، وفيها يحسُن هذا وأمثاله، وهذا مما كنتُ قدمت من اعتبار الجهتين، ألا تراهم حين استعجلوا (٢) العذاب وطالبوه معجزين له، مظهرين أنه لو كان صادقاً، لأتى به، كيف يرتكِزُ في الذهن أن يتطلب من الكلام ما يُلقِمُهمُ الحجر، ويؤلم قلوبهم من الوعيد والتهديد، وهذا مثل قوله تعالى: {وما تُغني الآيات والنُّذُرُ عن قومٍ لا يؤمنون} [يونس: ١٠١]، وقوله تعالى: {إنما تنذر من اتبع الذكر وخَشِيَ الرحمن بالغيب} [يس: ١١]، وباعتبار الجهتين. قال الله تعالى: {فلا تذهب نفسُك عليهم حسرات} [فاطر: ٨]، ودعا عليه السلام على قريش بسنين كسِنيِّ يوسف (٣)، ولو كانت الحال في الغض عليهم واحدة، ما خُوطِب بهذا الخطاب، والله سبحانه أعلم.

التنبيه الثاني: أن حديث محاجة آدم وموسى مما تأوله أهل الحديث والأشعرية، ولم يقولوا بظاهره، فالأمة مجمعةٌ على إنه لا يحِلُّ للعاصي أن يحتج بالقدر، ومُجمعةٌ أيضاً على أن الحجة لله تعالى على عباده، والسيد لم يفهم


(١) في (ف): " حالة ".
(٢) في (ف): " استعجلوه ".
(٣) صحيح وقد تقدم تخريجه في هذا الجزء.

<<  <  ج: ص:  >  >>