للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفائدة الرابعة: فيما بَيَّنَهُ الله تعالى من حِكَمِهِ التي لا تُحصى في تقدير الشرور، والاقتصار على ما جاء من ذلك عن الله تعالى، وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - دون التعدي إلى ما وراءه لقوله تعالى: {وما كان الله لِيُطلِعَكُم على الغَيْبِ} [آل عمران: ١٧٩]، وقوله تعالى: {فلا تَضرِبُوا لله الأمثالَ إنَّ الله يعلمُ وأنتم لا تعلمون} [النحل: ٧٤] وما أنفعها لمن عقلها {وما يَعْقِلُها إلاَّ العَالِمون} [العنكبوت: ٤٣] ولقوله تعالى: {ولا يُحِيطون بشيءٍ من عِلمِهِ إلا بما شاء} [البقرة: ٢٥٥] مع قوله: {وما يَعْلَمُ تأويلَهُ إلاَّ الله} [آل عمران: ٧].

وقد ذمَّ مبتغي تأويله في أُمِّ الآيات المحكمات حيث قال سبحانه: {ابتِغَاء الفِتنةِ وابْتِغاءَ تأويلِه} [آل عمران: ٧] قالوا: المتشابه خطابٌ لنا من حكيم فيجب أن نفهمه.

قلت: المقدمة الأولى -وهي الصغرى- ممنوعة (١)، لأن كونه خطاباً لنا لا يُدْرَكُ بالعقل، ولا يثبُتُ بالنص، وأولى من ذلك أن نقول: المتشابه لا طريق لنا إلى فهمه كالفواتح، فوجب أن لا يكون خطاباً لنا من الحكيم، والصغرى ضروريةٌ وجدانية مع اعتبار الأدلة الصحيحة على دعوى التفسير، والكبرى اتفاقيةٌ بيننا وبين الخصوم، فوضح الحق ولله الحمد على أن ذم الله تعالى لمبتغي (٢) التأويل يكفي حجةً.

وكذلك قوله: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} [يونس: ٣٩] فرأسُ العلم والرسوخ فيه معرفة العجز عن تعدِّي ما بيَّنه الله تعالى في مثل هذه المتشابهات، كما قال أمير المؤمنين عليه السلام في صفة الراسخين: هم الذين أغناهم عن الاقتحام على السُّدَد المضروبة دون الغيوب الإقرار بجملة ما جهلوا


(١) تحرفت في (أ) و (ف) إلى: مصنوعة.
(٢) في (أ): لمتبعي، وفي (ف): لمتتبعي.

<<  <  ج: ص:  >  >>