للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفرائض، وتردُّدِهم في ذلك، علم أن الخوضَ في تلك الأمورِ أسهلُ على أهل الدِّرْيَةِ بعلوم النظر، والمهارة في البحث عن الغوامض.

فإن قلتَ: فإذا كانا متمكنينِ من الاجتهاد، فَلِمَ تركاه واختارا التقليد؟

قلت: جوابُ هذا غيرُ متجه، لأن مَنْ ترك شيئاً من الفضائل، لم يجب القطعُ بعجزه عنه، ولا يجبُ على من ادَّعى أنَّه يظن قدرتَه على ذلك إظهارُ الدليل على الوجه في تركِ ذلك الفعل، ألا ترى أن كثيراً من الصحابة والعرب لم يكونوا مجتهدينَ مع تمكُّنِهِم من ذلك وسهولته عليهم، وهذا مما لا يحتاجُ إلى مناظرة.

فأما الاحتمالاتُ، فهي كثيرة، فمنها أن يتركا ذلك، لأن التقليدَ أسهلُ، وقد رأينا من يختارُ التقليدَ لذلك، فقد حدثني الفقيه علي بنُ عبد الله بن أبي الخير -رحمه الله- أنَّه يكره النظرَ في كتب أدلةِ الأحكام، قال -رحمه الله-: لأنَّه إذا عَرَفَ الدليلَ اعتقد أنَّه يجبُ عليه العمل به، ويَحْرُمُ عليه التقليدُ، وهو يُحِبُّ أن يبقى في سَعَةٍ، ولا شكَّ أن هذَا الاختيارَ جائز عقلاً وشرعاً، وإن كان فيه قصورٌ في الهِمَّة، ومخالفة للاقتداء (١) بخير هذه الأمة.

ويلتحق بهذا فائدة: وهي أنَّه لا شك أن هذين الرجلين مِن كبار أهلِ العلومِ العقلية النظرية (٢)، ورؤوسِ الطائفة الأشعريَّةِ، ولهما الباعُ الطويلُ في التمكن من إيرادِ الشبه العويصة على جميعِ الطوائف حتَّى على


(١) في (ب): في الاقتداء.
(٢) في (ج): العقلية النقلية النظرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>