للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شكَّ أنَّ الاحتمال يمنع الاحتجاجَ والاستدلالَ، ولهذا قال العلماء: لا يصحُّ استثناءُ الكُلِّ من الكُلِّ، كقولك: له عليَّ عشرةٌ إلاَّ عشرة؛ لأنَّه مناقضةٌ، فكذلك الاستثناء في البُرهان مناقضة.

النظر الثاني: أنَّ ما جاز في ذلك على المقلِّدِ جاز على المجتهد؛ لأنَّهما مكلّفان عاقلان، والمناقَضَةُ لا تَحِلُّ لمكلف، مجتهداً كان أو مقلداً، ولا يُعْصَمُ منها مكلَّفٌ أيضاًً، فهي محرَمة عليهما، مجوزة فيهما، فما الفرقُ بينهما.

النظرُ الثالثُ: أنَّه (١) جعلَ القرينةَ الدَّالة على صرف الأمرِ مِنَ الحقيقةِ إلى المجاز ممَّا يحتاج إلى اطِّلاع في العلوم، وعضٍّ عليها بالنَّواجذ، والأمرُ أهون ممَّا ذكره؛ وذلك لأنَّ النَّاظر في المسألة الَّتي ذكرها السيدُ إنْ كان ليس له معرفة بأنَّ الأمر يقتضي الوجوبَ أو النَّدبَ، ولا مذهبَ له في ذلك، لم يكن لَهُ أن يرجِّحَ بذلك، وكيف يرجِّحُ بما لا يَعْرِفُ، وإن كانَ مِمَّنْ يعرف هذه المسألة، ويختار فيها أحد القولين، فالعدولُ عَنِ الظَّاهر في الأمر إلى المجاز أمرٌ قريب تُغني فيه الإشارة عَنِ التَّهويل بتلك العبارة، وإنَّما هو معرفة القرينة الدالَّة على الوجوب أو الندب، فقرينةُ الوجوبِ الوعيدُ على ترك المأمور به، وقرينةُ النَّدبِ الإذنُ في تركه، ونحو ذلك مِنْ خصائصِ الوجوب والنَّدْبِ الواضحة. فما هذا (٢) التَّهويلُ بذكر الأخطار، والتِّجوال في الأقطار!!


(١) في (ش): أن.
(٢) في (أ): " مما في هذا "، وكذلك كانت في (ش)، ثم أصلحت " مما " إلى " فما "، ودمجت " في "، ويغلب على الظن أن الإمام الشوكاني رحمه الله هو الذي صحح ذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>