للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القصاص من كتاب " الرقاق "، من حديث مالك عن المقبري، عن أبي هريرة.

والقرآن كافٍ في ذلك، بل هو أنصُّ على المراد، إذ هو في القتال الذي ورد في الصحيح تسميتُه كفراً، ولذلك أمر بقتالهم لحسم مادة هذه الفتنة الكبرى، وهذا القتال القصد به كفُّهم عن البغي الذي يَضرُّهُم في أُخراهم ويضرُّ المبغيَّ عليه في دنياه، ولذلك لم يُجمع العلماء على الإجهاز على جريحهم والاتباع لمُدبِرهم، لأن القصد كفُّهم عن المضرة لأنفسهم وللمحقين، لا قتلهم، فصارَ قتلهم كقطع الإنسان يده المتآكلة، لا يحِلُّ إلاَّ عند خوفه على نفسه للضرورة، وكالقصاص الذي أُرِيدَ به الحياة (١) الأُخرى، كما قال تعالى: {ولكم في القِصَاص حَياةٌ يا أولي الألباب} [البقرة: ١٧٩].

وكذلك الحدود، وإن سُمِّيَتْ عذاباً ونكالاً من وجهٍ، فإنها كفاراتٌ ورحمةٌ من وجهٍ، ويدلُّ على هذا أنه يُحَدُّ التائب على قول الجماهير، وهو الصحيح، وإلا بَطَلَتْ بدعوى التوبة من غير التائب، ولا يمتنع أن يكون للشيء جهتان، كخروج آدم عليه السلام بسبب الذنب وهو صغيرٌ مغفورٌ، وإنما خرج على الحقيقة للاستخلاف في الأرض كما سبق به العلم والخبر، والذي يدلُّ على أن كفَّهم عن مضَرَّة نفوسهم (٢) مقصودٌ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سمَّى ذلك نصراً لهم، حيث قال عليه السلام: " انصُر أخاك ظالماً أو مظلوماً " قيل: يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟ قال: " يُؤْخذ فوق يديه ". رواه البخاري (٣) في المظالم من حديث معتمر بن سليمان، عن حميد، عن أنس، عنه - صلى الله عليه وسلم -.

يوضحه استحبابُ العفو، وعدم وجوب الانتقام، بخلاف الكفار الذين يَجِبُ قتالهم، ويحرُم العفو عنهم.


(١) " الحياة " ساقطة من (ف).
(٢) في (ف): " أنفسهم ".
(٣) (٢٤٤٣) و (٢٤٤٤)، وأخرجه أيضاً الترمذي (٢٢٥٥)، وابن حبان (٥١٦٧) و (٥١٦٨). وانظر تمام تخريجه فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>