للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويعضُدُه حديث عائشة، قال ابن أبي مُليكة: كانت عائشة لا تسمع شيئاً لا تعرفه إلاَّ (١) راجعت فيه حتى تعرفه، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " من نُوقِشَ الحساب عُذِّبَ ". قالت: فقلتُ: أليس الله يقول: {فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ (٧) فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا} [الانشقاق: ٧ - ٩]، فقال: " إنما ذلك العرض، وليس أحدٌ يحاسَبُ يوم القيامة إلاَّ هلك ". وفي رواية: " وليس أحدٌ يُناقَشُ الحساب يوم القيامة إلاَّ عُذِّبَ ". رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي (٢)، وذكره ابن الأثير، وحديث ابن عمر الذي في النجوى في الباب الثاني من كتاب القيامة من حرف القاف في " جامع الأصول " (٣).

وهذه سنة الله في الدنيا والآخرة، وربُّ الدَّارَيْنِ واحدٌ، وحكمتُه فيهما (٤) متشابهةٌ، ألا تراه يقول في قتال الكفار في الدنيا: {وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِين} [التوبة: ١٤]، فذكر خِزيَهم في الدنيا، وأنه مقصودٌ له.

وأما من يستحق القتال من بُغاة المسلمين، فقال فيهم: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}، إلى قوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم} [الحجرات: ٩ - ١٠]، فسمى الباغي والمبغيَّ عليه أخَوَيْنِ للمؤمنين بعد وقوع البغي من الباغي.

وكذلك ورد في حديث القصاص يوم القيامة: " من كانت عنده مظلمةٌ لأخيه، فليستحلِلْهُ منها قبل أن يُؤخَذَ لأخيه من حسناته، فإن لم تكن له حسناتٌ، أُخِذَ من سيئات أخيه، فطُرِحَتْ عليه ". رواه البخاري (٥) في باب


(١) في (ف): " حتى ".
(٢) تقدم تخريجه في الجزء الخامس.
(٣) ١٠/ ٤٣٢ و٤٥٦.
(٤) " فيهما " ساقطة من (ف).
(٥) (٦٥٣٤)، وانظر " صحيح ابن حبان " (٧٣٦١) و (٧٣٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>