للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أحمد بن زين الدين العراقي: إن الطبري ذكر في كتاب " تهذيب الآثار " عن قوم: أن الزهري مِنَ المدلسين، قال: وكلامه يقتضي خلافاً في ذلك.

قلت: وإن اقتضى ذلك، فالمثبت أولى من النافي، والحق أحق أن يُتبع.

والجواب عن هذا واضح، فإن مذهب أهل البيت عليهم السلام: أن التدليس جائزٌ وأنه لا يُجرح الراوي به، وكذلك جماهير علماء المعتزلة ممن يقبل المرسل، وكذلك مذهب جمهور أهل الحديث: أن المدلِّس لا يجرح كالمرسل، فقد دلَّس كثيرٌ مِنْ كبار الثِّقاتِ، وصحَّ عنهم ذلك مع الإجماع على عدالتهم، مثل الحسن البصري، وسفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وخلق كثير، وإنما الذي يمنع منه المحدثون قبول ما احتمل التدليس من رواياتهم دون


= العلم مشهور به (أي: بالتدليس) وقد قبل الأئمة قوله " عن ".
وأحمد بن الحسين العراقي: هو الحافظ أبو زرعة المتوفى سنة (٨٢٦) ابن الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي المتوفى سنة (٨٠٦) هـ، وكتابه المنقول عنه هذا النص يغلب على الظن أنه " تحفة التحصيل في ذكر ذوات المراسيل " ذكره في " كشف الظنون " ١/ ٣٦٤.
قلت: وقد ذكر الحافظ ابن حجر الأمام الزُّهري في المرتبة الثالثة من " طبقاته " ص ١٠٩، وقال: وصفه الشافعي والدارقطني وغير واحد بالتدليس، وقد وصف الحافظ أصحاب هذه المرتبة فقال: من أكثر من التدليس، فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلاَّ بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من ردَّ حديثهم مطلقاً، ومنهم من قبله كأبي الزبير المكي.
قلت: وإدراج الحافظ هذا الإمام الجليل في هذه المرتبة وهمٌ مُبين منه رحمه الله، فإن الزهري إمامٌ حافظ حجة متفق على جلالته وإتقانه، وحديثه في الصحيحين والسنن والمسانيد جدُّ كثير، ولم يقع منه التدليس إلاَّ نادراً، كما وصفه الإمام الذهبي، وهو أعرف من الحافظ بالرجال وأبصر، على أن الحافظ في " الفتح " ١٠/ ٤٢٧ وصفه بقلة التدليس، ولذا أرى أن الصواب أن يُدْرَج في المرتبة الثانية، مرتبة من احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح لإمامته، وقلة تدليسه في جنب ما روى.

<<  <  ج: ص:  >  >>