للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما صرَّحوا فيه بالسماع، أو ظهرت لهم قرينةٌ تدل عليه، كطول المخالطة ونحو ذلك، ولكنَّ اسم (١) التدليس منكرٌ عند من لا يعرف اصطلاح علماء الأصول والحديث.

والتدليس في عرفهم: أن يروي المحدِّث الحديث عن رجلٍ ولم يسمعه منه، وإنما سمعه عن رجل عنه، موهماً أنه سمعه منه من غير أن يكذب، فيقول: حدثني فلان، وذلك شائعٌ في الثقات، وقل من يسلمُ منه (٢).

وقد رُوِيَ أن ابن عباس ما سَمِعَ من النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ أحاديث يسيرة. قال بعضهم: أربعة أحاديث، وبقية روايته عن الصحابة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو لا يكاد يذكر من بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما يقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا، حتى يتوهَّم السامع أنه سمعه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهذا شبيه (٣) بالتدليس، لكنه لم يتحقق قصد الصحابي لذلك، وكذلك لم يوصف أحدٌ منهم بالتدليس، وهذا مما احتج به أصحابنا على قبول المرسل.

وقد يجرح أهل الحديث بالتدليس إذا صدر ممن ليس له بصرٌ بالإسناد وعلم الرجال، وكان يُدلس أحاديث الضعفاء ويخلِطُ الغَثَّ بالسمين، وأما أهل البصر بهذا الشأن، المجرَّبُ صدقهم وتحرِّيهم، فالكلام فيهم كما قدمته.

والقدح على الزهري بالتدليس غريبٌ جداً، فلم يذكر هذا أحدٌ، لولا أن الذهبي شرط في كتاب " الميزان " أن لا يترك شيئاً قدح به من حقٍّ أو باطلٍ.

وثالثها: أن الزهري كان يلبس زى الأجناد.

قال الذهبي (٤): كان الزهري بزيِّ الأجناد، وكان في رتبة أميرٍ.

والجواب عن هذا ظاهر، فإن زي الأجناد غير محرَّم، لا في الكتاب، ولا


(١) " اسم " ساقطة من (ف).
(٢) " منه " ساقطة من (ف).
(٣) في (ف): " اشتبه ".
(٤) في " السير " ٥/ ٣٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>