للحالف، ولا رفع فيها لمنصبه ألبتَّة، فقامت مقامَ شاهدٍ آخر في قوة الظن، لا في التعظيم، وهذا شاهِدٌ قويٌّ على أن العِلة قوةُ الظن.
الحجة التاسعة: الملاءمة العقليةُ التي يَثْبُت بها العلل، وبيانُها: أن اشتراطَ العدالة عند الخبرِ والشهادة يُفهم منه أنَّه لِأمْرٍ يرجع إلى الخبر والشهادة من تصحيحهما الراجع إلى قوة الظن، لا لأمر يرجع إلى المخبر والشاهد مِن رفع منار مناصبهما، وإظهار شعار مراتبهما، لأنَّ رفع المناصب، وإظهارَ الفضائل لو كان مقصوداً، لما اختص بوقت الحاجة إلى الروايات، ولا ترجَّح عند المنازعات والخصومات، ولكان في الأعيادِ والجمعات، وعند اجتماعِ الناس للصلوات، وفي سائِرِ المقامات المشهودات.
الحجة العاشرة: أن علماءَ المذهب في جميع الأزمانِ والأقطار ما زالُوا يعلِّلون في مسائل الشهادة والرواية بقوة الظن وضعفه في الأصولِ والفروع من غير نكير في ذلك، وهذا يقتضي ترجيح التعليلِ بالظن، ولْنَذْكُرْ مِنْ ذلك مسائلَ يسيرة مما نص العلماء فيها على التعليل بالظن.
المسألة الأولى: أنهم قالوا: إنَّ من سَمِعَ الحديثَ من غيرِ حجاب، فروايتُه أولى ممن سَمِعَه من وراء حجاب، ولا شكَّ أن العِلَّةَ في هذا قوةُ الظن، لا أنَّ من سَمِعَ من غير حجاب أفضلُ عند الله تعالى.
المسألة الثانية: أن يكونَ أحدُ الراويين مثبتاً، والآخرُ نافياً مع أن المثبت ليس بأفضلَ مِن النافي.
المسألة الثالثة: أن يكون أحدهما عالماًً بالعربية، والآخَرُ غير عالم بها، وإن كان عالماًً بما هو أفضل منها مما لا يَتَعَلَّقُ بالرواية.