أفاضِلِ المسلمين كما حقَّقَ ذلك أبو السعادات ابنُ الأثير في ديباجة كتاب " النهاية " وكما لا يَخْفي ذلك على من له أُنْس بِعِلْمِ التاريخ. فلو أوجبنا قِرَاءةَ العربيةِ على أبي حنيفة، لزم أن لا يُحْتَجَّ بشعر جريرٍ والفَرَزْدق، ولا شكَّ أن العناية بالعربية كانت قليلةً في ذلك الزمانِ مِن علماء التابعين، وإنما اشتدت عنايةُ أهلِ العلم به بعدَ ظهور الاختلالِ الكثير، وقد قال الأمير الحسين بن محمد رضي الله عنه بأغربَ من هذا، قال: إن الهادي يحيى بن الحسين عليه السلام عربيٌّ اللسان، حجازيُّ اللهجةِ من غيرِ قراءة، مع أنَّه عليه السلامُ توفي قريباً مِن رأس ثلاث مئة، فأما سنة ثمانين من الهجرة، فليس أحد من أهل المعرفة والتمييز يعتقِدُ أن أحداً من التابعين في ذلك الزمان قرأ كتاباً في النحو، ولا وَقفَ بينَ يدي شيخ كعلقَمة بنِ قَيْس، وأبي مسلم الخَوْلاني، ومسروقٍ، والأجْدعِ، وجُبيرِ بن نُفَيْرٍ، وكَعْب الأحبار ولا مَنْ بَعْدَ هؤلاء من التابعين كالحسنِ، وأبي الشَّعْثَاءِ، وزينِ العابدين، وإبراهيم التَّيْمي، والنَّخعي، وسعيدِ بنِ جبير، وطاووس وعطاء، ومجاهد، والشعبي، وأضرابِهم، فما خُصَّ أبو حنيفة بوجوب تعلُّم العربية، وفي أيِّ المصنفات يقرأ في ذلك الزمان.
وأما قوله: بأبا قُبَيْسٍ، فالجوابُ عنه من وجوه:
الأول: إن هذا يحتاجُ إلى طريق صحيحة، والسَّيِّدُ قد شدَّد علينا في نسبة الصِّحاحِ إلى أهلها، مع اشتهارِ سماعها والمحافظة على ضبطها، فكيف بهذه الرواية!!.
الثاني: أنَّه إن ثَبَتَ بطريقٍ صحيحة، فإنه لمُ يَشْتَهِر ولم يَصِحَّ كصِحة الفتيا عنه، وتواترِ علمه، وليس يُقْدَحُ في المعلومِ بالمظنون (١).