الأول: من أينَ صَحَّ (١) أنَّها نزلت في بني تميم، وأنَّها نزلت في المسلين، والطريق إلى صِحة ذلك عندك مشكوك في إمكانها وتعذرها كما في سائرِ الأخبار.
الثاني: أنَّ نِدَاءهم له -عليه السلام- مِن وراء الحُجُرَاتِ كان قبل إسلامِهم، وإنَّما قال الله:{أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُون}، لأجل ندائهم، هذا هو السابقُ إلى الأفهام كما إذا قلت: إنَّ الذين يكفرون بالله لهم عذاب أليم. فإنَّ العذابَ الأليمَ مستحقٌّ بسبب الكفر، وهو تنبيه ظاهر على العلة، وقد ذكره أهلُ الأصول. قالوا: لو قال -عليه السلام- من أحدث فليتَوضَّأ، كان ذلك تنبيهاً على أنَّ الحدث هو الموجبُ للوضوء، فإذا ثبت ذلك، لم يتوجَّه عليهم بَعْدَ الإسلام الذمُّ الذي صدر على فعلهم قَبْلَه، وإنّما أنزَلَهُ اللهُ بعد إسلامهم تأديباً لهم ولغيرهم أن لا يعودوا لمثله، كما أنزل بعدَ توبةِ آدم -عليه السلام-: {وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[طه: ١٢١] تأديباً لِغيره من الأنبياء-عليهم السلام- ولِحكمة يستأثِرُ اللهُ تعالى بعلمها، وكما قال في طائفة من الصحابة يوم أحد:{مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنيا} مع وقوله: {وَلقَدْ عَفَى عَنْكمْ}[آل عمران: ١٥٢].
(١) في (ج): يصح. وكون الآية نزلت في بني تميم رواه الواحدي في " أسباب النزول " من طريق معلى بن عبد الرحمن، عن عبد الحميد بن جعفر، عن عمر بن الحكم، عن جابر بن عبد الله. ومعلى بن عبد الرحمن ضعفه الدارقطني وغيره. وأخرج الطبري والبغوي وابن أبي عاصم من طريق موسى بن عقبة، عن أبي سلمة، قال: حدثني الأقرع بن حابس التميمي أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا محمد اخرج إلينا، فنزلت {إن الذين ينادونك من وراء الحجرات} ... قال ابن مندة: الصحيح عن أبي سلمة أن الأقرع مرسل، وكذا أخرجه أحمد في " المسند " ٣/ ٤٨٨ و٦/ ٣٩٣، ٣٩٤، وقد ساق ابن إسحاق -كما في سيرة ابن هشام ٤/ ٥٦٠ - قصة وفد بني تميم في ذلك مطولة بانقطاع. وانظر " الدر المنثور " ٦/ ٨٦، ٨٧.