للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسيأتي تعليل التخصيص بالعلم والحكمة، لقوله: {وأضَلَّهُ الله على عِلْمٍ} [الجاثية: ٢٣]، وقوله في إبراهيم عليه السلام: {وكُنَّا به عالمين} [الأنبياء: ٥١].

ومنه قوله عز وجل: {ولو شاءَ الله لَجَمَعَهُمْ على الهُدَى} [الأنعام: ٣٥] لا يَصِحُّ تأويله بالإكراه، لأنه يؤدِّي إلى محو اسم الهدى عندهم، لأنه صفة مدح، وهو الاهتداء الذي من فِعْلِ العبد يمدُح عليه (١) ويُثاب، وهو الذي لا يذكر مفعولُهُ في آيات كثيرة، أعني مفعوله الثاني المذكور في قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقيم}.

ومثال الآيات التي لا يذكر فيها المفعول الثاني قوله عز وجل: {إنك لا تَهْدِي من أحببتَ ولكنَّ الله يَهْدي من يشاءُ} [القصص: ٥٦]. وكقوله: {يهدي به من يشاءُ من عباده} [الأنعام: ٨٨]، وقوله: {يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي من يشاءُ} [النمل: ٩٣]، وقوله: {من يَهْدِ الله فهو المُهْتَدي} [الأعراف: ١٧٨]، وقوله: {مَنْ يَهْدِ الله فما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ} [الزمر: ٣٧]، وقوله: {فلو شاءَ لَهَدَاكُم أجْمعينَ} [الأنعام: ١٤٩].

وحاصلُ الأمر: أن الهدى في كتاب الله على ثلاثة أقسامٍ، ثالثُها مجاز.

القسم الأول: هدىً هو فعل الله عزَّ وجلَّ لجميعِ المكلَّفين وهو نوعان:

النوع الأول: وهو نصبُه الدلالة والتعريف لا اختيار للعبد فيه، وهو من قبيل العلوم الضرورية كالعقل، والعلم الضروري يُسميان هدى، بل هما أساس الهدى، ومن ذلك قوله عز وجل: {وأمَّا ثمودُ فَهَدَينَاهُم} [فصلت: ١٧]، وقوله تعالى: {الذي قدَّر فَهَدَى} [الأعلى: ٣]، وإنما حُذِفَ مفعول " قدَّر "، ومفعول " هدى " للتعميم بدليل سائر الآيات، وقوله عز وجل: {وهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ}


(١) في (ش): به.

<<  <  ج: ص:  >  >>