النوع العاشر: ما جاء من الأفعال مُقَيَّداً بصفة ذمٍّ لازمةٍ له، كقوله تعالى:{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا}[النساء: ٣٠] فإنه يتعذر أن يكون فعله عدواناً وظلماً من الله، لأنه يلزم أن يكون من الله عدواناً وظلماً، وهو من الله حَسَنٌ عنذ الخَصْمِ، وتَجَرُّدُه عن هذه الصفة القبيحة لا يمكن، لأن الله قد قيَّده بها وهو أصدق القائلين.
ومنه:{وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ}[الكهف: ٢٢]، ومنه:{وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا}[الأنبياء: ٩٠] فالرَّجْمُ بالغيب، والرَّهبة والرَّغبة مُحالةٌ (١) في حق الله تعالى، ونظائره كثيرةٌ.
النوع الحادي عشر: ما كان من أفعال العباد بلفظ الكسب، مثل قوله تعالى:{لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}[البقرة: ٢٨٦]، فإن أهل السنة وغيرهم أجمعوا على أن الفعل من حيث يسمى كسباً لا يُنْسَبُ إلى الله، لأن مفهوم هذا اللفظ لا يصح في حقه تعالى، وإنما ذكر أهل السنة أنه يُنْسَبُ إلى الله وحده من الجهة التي يُسَمَّى منها خلقاً وإبداعاً وإيجاداً من العدم.
وهذا سبب تخصيص أهل السنة للعبد بالكسب، وما كان عندهم كسباً للعبد، فهو فعلٌ له أيضاً، وإنما خَصُّوه باسم الكَسْبِ، لأنه لا يصحُّ نسبته إلى الله بهذا الاسم، كما لا تصح نسبته إلى العبد باسم الخلق الذي هو إيجادُ الذات المعدومة، وأما الفعل، فإنه يصح أن يُنسَبَ إلى الله تعالى وإلى العبد، فتركوا التعبير به لاشتراكه، لا لأن كسب العبد ليس بفعلٍ له، فافهم هذه اللطيفة.
ولذلك نص شيخ الأشاعرة الشهرستاني في " نهاية الإقدام " على أن لِفِعْلِ العبد اسماً من الجهة التي هي فعلٌ له يختصُّ بها العبد ويُسمى بها: كالكسب والعبادة والصلاة والصوم والمعصية والطاعة، ويُسمى بها كاسِباً وعابداً ومُصلِّياً وصائماً ومطيعاً وعاصياً.