قال: ولو كان الله فعل ما فعل العبد من جهةٍ واحدةٍ لا يستحق هذه الأسماء سبحانه وتعالى عن ذلك علواً كبيراً، وقد تقدَّم كلامه ووجهه، ولذلك قال: إن من عرفه هانَتْ عليه تهويلات القدرية، وتمويهات الجبرية، وعِلْمُ ما حققه يجب الجزم به عقلاً ببُطلان هذه العبارة، كما يأتي في الوجوه النظرية.
النوع الثاني عشر: قوله تعالى: {وإنَّ الشياطِينَ لَيُوحُونَ إلى أوْلِيَائِهم}[الأنعام: ١٢١] فيلزم أن يكون وحي الشياطين وحياً من الله، ويلزم من ذلك أحد باطلين: إما أن يكون حقاً، وإما أن يكون وحي الله منقسماً إلى حقٍّ وباطلٍ.
النوع الثالث عشر: قال الله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}[الروم: ٤١]، وقالت الملائكة عليهم السلام:{أتَجْعَلُ فيها مَنْ يُفسِدُ فيها}[البقرة: ٣٠]، فلو كان الفساد الذي من الخلق من الله ما استنكرتِ الملائكة أن يَخْلُقَ من يُفسِدُ، بل لكان مفسداً في المعنى، سبحانه عن ذلك وتعالى علواً كبيراً.
وإن كان الخصم يقول: إنما لا نسميه بذلك، لأن الشرع منع منه، وليس كما زعم لوجهين:
أحدهما: أنه لو كان كذلك، لكان امتناعنا من ذلك بالقهر، وليس المدح أن يمتنع عبيد الملك من ذمه بما فيه من النقائص خوفاً من عقوبته، فإن كثيراً من ملوك الأرض الناقصين كذلك، وإنما المدح أن يكون مُنَزَّهاً حقاً عن النقائص، ومع ذلك لا ينقصه أن يخلي بعض عبيده يذُمُّه وينقصه كَذِباً منه وزُوراً، ثم يحلم عنه ولا يُؤاخِذُه أو يعاقبه على ذلك بحق وعدل.
الوجه الثاني: أنه لو كان كذلك، لكان استحقاقه عزَّ وجلَّ لأضداد تلك الأسماء غير صادقٍ، وهذا أفحشُ من الأول.
فإن قلت: أليس الله تعالى خلق المفسدين، وقدَّر وقوع الفساد ولم يمنع منه مع قدرته؟