للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكفير بالأعمال في عُرفِ الشرع، ولذلك فرَّق الزمخشري (١) بين المغفرة والتكفير في قوله (١): {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: ١٩٣]، ومنه سُمِّيَتِ الكَفَّارات خصوصاً عند الخصوم أن التكفير على جهة الوجوب على الله دون التفضُّل بالمغفرة الذي هو نصيب بعض أهل الآخره بنص كتاب الله حيث قال: {وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ} [الحديد: ٢٠]، وقد يُسمى التكفير مغفرةً، ولا تسمى المغفرة تكفيراً، فالمغفرة جنسٌ يدخُلُ التكفير تحتها، والتكفير نوعٌ منها عند أهل السنة، وقد فرَّق الله بينهما فقال: {ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكَفِّرْ عنا سيئاتنا وتوفَّنَا مع الأبرر}.

وثانيهما: قوله تعالى: {ونُدخلكم مُدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: ٣١]، فإنه يحتمل أن هذا المدخل الكريم هو درجةٌ شريفةٌ من دَرَجِ الجنة، إما درجة المقتصدين أو غيرهم، بل قد دل القرآن على أنها درجة المحسنين، لقوله تعالى في سورة النجم: {ويَجْزِيَ الذين أحسنَوا بالحُسنى} [النجم: ٣١] ثم وصفهم بصفة مجتنتبي الكبائر، فقال: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَة} [النجم: ٣٢]، كما سيأتي في تفسيرها، فجعل أهل الصغائر واللَّمَم مُحسنين في النجم، وجعلهم في هذه الآية من أهل المُدْخَلِ الكريم، فدلَّ على أنهم طائفةٌ من أهل الجنة، وأهل الجنة طوائف متفاوتة، ولهم دَرَجٌ كثيرةٌ كما قال تعالى: {هم درجاتٌ عند الله} [آل عمران: ١٦٣]، وقال في المجاهدين: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا (٩٥) دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء: ٩٥ - ٩٦].

وفي " الصحيح " أن في الجنة مئة درجة بين كل درجتين كما بين السماء


(١) ١/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>