ويدل على هذا تجويزهم للخروج على من قطع الصلاة، وأبطل أمر الجهاد، ولم يلتفت على إنصاف مظلوم البتة، كما ذكره ابن بطال والجويني لما كان الغالب أنَّ المضرَّة في القيام على من هذا حاله أقل من مضرة تركه، فهذه نصوصهم دالة على كراهتهم للجائر ولولايته، ومعرفتهم بوجوب النهي عن المنكر وغير ذلك، وأنهم إنما قصدوا حقن دماء المسلمين، وأن السيد أعظمَ الجناية عليهم حيث قال: إنهم يصوِّبُون أئمة الجور في قتل الذين يأمرون بالقسط من الناس، وإنما قصدوا نحواً مما قصده هارون عليه السلام حيث قال:{إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيل}[طه: ٩٤] من رعاية الأصلح، ولأنهم ما قصدوا إلاَّ حقن دماء الذين يأمرون بالقسط من الناس، فعكس السيد نصوص مذهبهم لما لم يفهم حقيقة، مقصِدِهم، وفي المثل: أساء سمعاً فأساء إجابة.
الموضع الثاني: وهو محل الخلاف على الحقيقة، وهو في صحَّة أخذ الولاية منهم عند الضرورة إلى ذلك، وفيه ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: أنه لا يجوز مطلقاً، وهو مذهب الجمهور من أهل البيت عليهم السلام، وكثير من الفقهاء، وهو الصحيح الذي لا يتَّجه غيره، كما سيأتي الدليل عليه.
المذهب الثاني: جواز ذلك عند الضرورة مطلقاً، وهو مذهب أحمد بنِ عيسى عليه السلام وكثيرٍ من الفقهاء.
المذهب الثالث: التفصيل، وهو صحة أخذ الولاية منهم في القضاء دون غيره، وإليه ذهب المؤيد بالله في آخر قوليه، نص عليه في " الزيادات "، وطوَّل في الاحتجاج عليه، وفي هذا الفصل فوائد:
الفائدة الأولى: أن مذهب أحمد بن عيسى والفقهاء قريبٌ من مذهب المؤيد بالله عليه السلام، لأن الكل منهم قد صحَّح أخذ الولاية من الظلمة