ينْقُضُ كلامَ السيِّدِ المرتضى (١) في مراسلات دارت بينهما، ولا يُورِدُ لفظَهُ ولا يَنُصُّ.
واعلم: أن تركَ كلام الخَصْمِ ظلٌم لَه ظاهرٌ وحَيْفٌ عليهِ واضح، لأنَّهُ إنَّما تكلَّم، ليكونَ كلامُه موازناً لكلام خصْمِهِ في كفَّةِ المِيزان الذهني، وموازياً له في جولة الميدان الجَدَلي، لأنَّ المُنْفَرِدَ يرجحُ في الميزانِ، وإن كان خفيفاً، ويسبِقُ في الميدان، وإن كان ضعيفاً. وهذا كُلُّهُ إذا كان للخصمِ كلامٌ يُحْفَظُ، واختيارٌ يصِحُّ أنْ يُنقَض، فمِنَ العدلِ بيانُ قوله، وحكايةُ لفظهِ، وأما إذا لم يكن له مذهبٌ ألبَتَّة، وإنما وُهِمَ عليه في مَذْهبهِ، ورُميَ بما لم يَقُلْ به، فهذا ظُلم على ظُلْمٍ، وظلماتٌ بعْضُها فوق بعض.
المذهب الثاني: من مذاهب النُّقاد في نقضِ كلامِ الخُصُوم: أن يحكوا مذاهبَهم بالمعنى، وفي هذا المذهب شَوبٌ مِن الظلم، لأن الخصمَ قد اختار له لفظاً، وحرَّرَ لدَليلهِ عبارةً ارتضاها لبيان مقصدِهِ، وانتقاها لكيفيةِ استدلاله، وتراكيبُ الكلامِ متفاوتة، ومراتبُ الصِّيغ متباينة، والألفاظُ معاني المعاني، والتراكيبُ مراكيبُ المتناظرين، وما يرْضى المبارزُ لِلطِّرادِ بغير جواده، ولا يرضى الرافعُ للبناء بغيرِ أساسه، مع أن قطعَ الأعذارِ من أعظمِ مقاصدِ النُّظَار.
وهذه الأمور لم تكن مظالم شرعيَّة، وحقائق حِسِّيَّة، فهي آدابُ بينَ المتناظرين رائقة، ولطائفُ بين المتأدبينَ لائِقة، ومراقٍ إلى العدل
(١) هو علي بن الحسين بن موسى العلوي أخو الشريف الرضي، كان يلقب ذا المجدين، وكانت إليه نقابة الطالبيين، وكان شاعراً مكثراً له تصانيف على مذاهب الشيعة. توفي سنة ست وثلاثين وأربع مئة.