ولأن السمع ورد بتعليل الأعمال بالإيمان، كما قال بعد آية الظِّهار:{ذلك لِتُؤمِنُوا بالله ورسوله}[المجادلة: ٤]، وقال بعد ذكر الحجِّ أو بعض مناسكه نحو ذلك.
قالت المعتزلة: لا فرق بين الرضا والمحبة، والإرادة والمشيئة في حق الله تعالى، فيلزم من تجويز إرادته تعالى لوقوع المعاصي تجويزُ محبته لها، ورضاه بها، والنصوص تأباه وتمنعه، والعقل كذلك، وهذا أكثر ما حمل المعتزلة على تأويل آيات المشيئة.
والجواب: أن هذا غير لازمٍ على جميع المذاهب.
أما الأشعرية: فقد تقدم أنهم قد منعوا من تعلُّق إرادته تعالى بأفعال العباد خيرها وشرِّها، وقالوا: إنَّ محبته ورضاه لا تُعَلَّقُ إلاَّ بالطاعات، وإن معناهما هو الإرادة لا سوى، ومتعلقها فعله سبحانه الذي هو الثناء والثوابُ والأمر والوعد، وكراهته وغضبه وسخطه لا تعلق إلاَّ بالمعاصي، وهي ترجع إلى الإرادة أيضاً، ومتعلقها فعله سبحانه الذي هو الذم والعقاب والنهي والوعيد كما مر تقريره.
وقد يجيب من يجهل هذا التحقيق بأجوبة أخر، كما يأتي في كلام الجُويني (١)، والتعرض لذكرها يُطيلُ اللجاج، ويُوَسِّعُ دائرة الحجاج، وهذا أنفعُ الأجوبة وأقطعها، وأوجعها للخصوم وأنجعُها.
وقد مرَّت الحجة على امتناع تعلق الإراده بفعل الغير، وأن التي تُعَلَّقُ بذلك هي المحبة لا الإرادةُ.
والحجة على ذلك عقليةٌ جليةٌ، وليس في السمع ما يُعارضُها لأن مفعول المشيئة في الآيات محذوف، وتقديره. غير متعين، مثاله: قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩] فيمكن
(١) انظر " الإرشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد " ص ٢٣٧ فما بعدها.