للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثَّاني: أنَّ فيه حُكمَاً على الرُّواة بالكذِب والوَهْم (١) مِنْ غيرِ تَعَمُّدٍ، فإنَّهم قالواْ لَمْ يَكُنْ يجهَرُ في بعضِ الطُّرُقِ الصِّحاحِ، ولو كان الأمر كما ذكَرْتَ، لكان الواجبُ عليهم أنْ يُورِدُوا لفظاً يصدُق ويدُلُّ على الشَّكِّ، مثل أن يقولوا: إنَّ أصواتَ المُكَبِّرين كانت تمنَعُنا من تَحَقُّقِ جَهْرِهِ بالبَسْمَلةِ، فلا ندري هل جَهَرَ أم لا؟ وبهذا تَعْرِفُ أنَّ تأويلَ الجَهْرِ أولى؛ لأنَّ فيه تصديق جميعِ الرُّواةِ، وحملَهُمُ الجَميع عَلى عدم الوَهْمِ، فكان أقوى، لأنَّ الوَهْمَ خلافُ الظَّاهر، وهو آخِرُ مراتبِ التَّأويل كما سيأتي، وليسَ بعدَ الحُكْم بِه إلَّا الحكمُ بتَعَمُّدِ الكَذِبِ، بل لا يصحُّ (٢) القطع (٣) بالوهْمِ إلا في المسائل القطعيَّةِ بعد انسدادِ بابِ التَّأويل، وسوف يأتي ما في ذلِكَ مِنَ الشَّرائِطِ العزيزة.

الوجه الخامس: أنَّهُ لا يلزَمُ القول بالتَّرجيح إلاَّ بعدَ أنْ يدَّعيَ كُلُّ واحدٍ مِنَ الفريقين أنَّ حديثَه صحيح، أو يدُلُّ دليلٌ على أنَّهُ يَدَّعِي ذلِكَ ويعتقدُه، وإنْ لم يُصَرِّحْ بذلك، لكنَّا لَمْ نعلمْ ذلِكَ في أحاديثِ أَهْلِ البَيْتِ عليهم السَّلام، فإنَّ كثيراً مِنْ أحاديثِ الجَهْرِ المَرْوِيةِ لَمْ تَثْبُتْ مِنْ طريقٍ أهلِ البيت عليهمُ السَّلامُ، وبعضُها ثَبَتَ من طريقهم (٤) لكنَّهُمْ لَمْ يحتجُّوا به منفرداً، وُيصَرِّحُوا بأنَّه مُسْتَندُهمْ في العَمَلِ، بَلِ احْتَجُّوا على ذلك ببعضِ تلك (٥) الأحاديث وبالقياس وبالاجتهاد، وهذا النَّوْعُ شبيهٌ بالنَّوْعِ المُسمَّى بالمتابَعَاتِ والشَّواهِدِ (٦)، وهو أحدُ أنواع علوم الحديث،


(١) في (ب): بالوهم والكذب.
(٢) في (أ) و (ج): " بل يصح " وهو خطأ.
(٣) في (ب): الحكم.
(٤) في (ب): طريق.
(٥) ساقطة من (ب).
(٦) انظر التعليق رقم (١) من الجزء الثاني ص ٩٥ من هذا الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>