الإِشكال الثامن: أن الآية حكاية لخطاب موسى لأخيه هارون عليهما السلامُ قال تعالى: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف: ١٤٢] وفي الاحتجاج بشرعِ مَنْ قَبْلَنَا خلافٌ كثير، فكان يجب على السَّيِّد أن يَدلَّ بدليل قاطع على أنا متعبَّدُونَ بشرع مَنْ قبلَنا، فأما الاحتجاجُ على ذلك بالأدلَّةِ الظنية فلا ينفعه في هذا المقام، لأن المسألةَ عنده قطعية.
الإِشكال التاسع: أن هارون عليه السلامُ نبيٌّ مرسل من الله تعالى عالمٌ بالشريعة، مبلِّغٌ لها إلى العباد، وليس يَصِحُّ أن يكونَ متعبداً بأخبار الآحاد في شريعته، لأنَّه صاحبُها المنقول عنه أخبارُها لا إليه، فإذا كان كذلك، فمن المعلومِ أن موسى ما أراد نهيه عن قبول فساقِ التأويل في إخبارهم عن شريعته، وإذا كان انتفاءُ ذلك معلوماً، لم يَصِح استنباط ما هو فرع عليه، وذلك لأن الآية ليست متناولةً لنا بلفظها، ولا بمفهومها، وإنما تناولُنَا بدليل التأسي به على تسليم أنا متعبَّدون بالتأسي بجميع مَنْ قبلنا من الأنبياء، فكل ما (١) علمنا أنَّه لم يَقْصِدْ في خطابه، فكيف يحرُم علينا وهو إنما حرم لكونه حَرُمَ عليه فحين لم يثبت أنَّه حَرُمَ عليه لم يثبت ما هو فرعُه من تحريمه علينا.
الإشكال العاشر: أن الآية إما أن تَرِد على المعنى الذي ذكرنا مِن العُرف السَّابِق إلى الأفهام، وهو أن المرادَ تحريمُ سبيلهم في الفساد في الأرض، فذاك الذي نُرِيد، وبِهِ يَبْطُلُ مرادُ السيد، وإن كانت واردةً على معنى العمومِ الذي تَوهَّمه السيدُ، وجب أن يكونَ مفهومُها إيجابَ اتباعِ