للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحقيقية، فالحسنُ والقبحُ اللذان في الإرادة مثل الحسنِ والقبحِ اللذين في الاختيار عند المعتزلة، والذنوب والحسنات، إنما نشأت من ذلك لا من الذوات عندهم، بل قول الأشعريِّ أبعد من الجبر من قولهما.

إن قالا: ليس للعبد فعلٌ إلاَّ الإرادة من دون الاختيار لزم الجبر، وكانت كإرادة المريض للعافية عند (١) حصول العافية، فإن مقارنة الإرادة للعافية لا توجب أن العافية فعلٌ للعبد (٢).

وإن قالا: إن الاختيار للعبد مع الإرادة، فالذي (٣) أخرجهما من الجبر هو القول بأن الاختيار إلى العبد، وقد شاركهما في ذلك الأشعري، على أن للأشعري أن يُفَسِّر الاختيار بالإرادة، وينازع في كونها ذاتاً حقيقية، ويذهب مذهب أبي الحسين في الأكوان، ولا يمنعه من ذلك ضرورةٌ عقلية ولا شرعية.

واعلم أنه لا خلاف بين فرق الأشعرية في إثبات الاختيار للعبد، حتى إن الرازي في " نهاية العقول " صرَّح بأن الحق هو الجبر، ثم يُفَسِّر الجبر بوقوع الفعل عند الرجحان قطعاً مع بقاء الاختيار، وهذا تصريح بأن تسميته لذلك جبراً خلاف في مجرد العبارة، إلا أن الرازي وحده كثير التَّلوُّن في تصرفاته، وليس من جنس الأشعرية، وله في " المحصول " هفواتٌ قلَّ من يُدْرِكُ غَوْرَها.

فمنها: أنه صرح فيه (٤) بنفي الاختيار، وناقض نصوصه المتكررة في " النهاية "، كأنه تكلم في " النهاية " عن المذهب، وفي " المحصول " عن اختياره هو في نفسه، وذلك أنه يتحامى مخالفة أصحابه (٥) في علم الكلام دون أصول الفقه، ولذلك حكى كلام الفلاسفة في كتابه " الأربعين " في الوصف العدميِّ في المسألة الأولى منه، ثم قال بعده: وهذا سؤالٌ قويٌّ، ثم أجابه وقرَّر الجواب على الصواب ومضى.


(١) " عند " سقطت من (ش).
(٢) في (ش): العبد.
(٣) في (ش): والذي.
(٤) انظر " المحصول " ٥/ ٢٥٥.
(٥) في (ش): وذلك يتحابى أصحابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>