للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد جمع -سبحانه- في هذه الآية الشريفة -لمن تأملها-: بينَ الوجوه الثلاثة المتقدمة، فأشار إلى الأول، وهو العجز عن مثله، بقوله: {وما يستطيعون}، وإلى الثاني، وهو جهلُهُم بالغيب الذي فيه، بقوله: {إنهم عن السمع لمعزولون}، وإلى الثالث، وهو أنَّهُ لا يصدر منهم ما فيه الإرشاد إلى الخير، والمنع عن الشر، بقوله: {وما يَنْبغي لهم}.

وهذا الوجهُ الثالث، لم يتعرَّضْ أحدٌ لذكره -فيما علمتُ- وقد نبَّهَ الله -سبحانه- عليه، في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى} [الأنعام: ٩١]. لأن كتاب موسى -عليه السلام- غيرُ معجز، من جهة البلاغة، ولا يَعْرفُ المخاطبون -المحتجُّ عليهم ذلك- ما فيه من العيوب، معرفةً ضرورية بالتواترت لبُعْدهِمْ عن المعرفة الظنيَّة؛ كيف الضرورية؟!، ولكنَّهم يعلمون جملةً بالتواتر: أنه مُشْتَملٌ على المنع من المفاسد، والأمْرِ بالمصالح، وهذا لا يكون من شيطان، لأنه نقيضٌ قصده، ولا سيما وفيه: سبٌّ الشياطين، ولعنهم، ووعيدُهُم، ولا يكون من ملكٍ ولا من صالح، لأن الكذِبَ على العالم، وإلزامهم المشاقِّ العظيمة، من غير ثواب، مما يُناقِضُ معنى المُلْكِ، ومعنى الصلاح.

فمنْ فعَل مثل ذلك، فهو شيطان، فكيف نفرِضُ أنه ملك أو صالحٌ؟! هذا خلافٌ، والضرورة المانعةُ عن صدور هذا عن الشياطين عاديةٌ لا أوليةٌ.

وكثيرٌ مِنَ النُّظار لا يعرف الضروريَّ العادي، ويغلَطُ فيه لإمكان خلافه بالنظَرِ إلى مجرد الإمكان. ولم يَعْلم أن العلمَ فيه إنما يتعلق بعدم وقوع الممكن، لا بعدم إمكانِه، كما أنَّا نعلم عند دخول منازلنا: أن الله

<<  <  ج: ص:  >  >>