للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: فأمَّا (١) أن يكون لَهُ في كُل مسأَلَةٍ أن يُرَجَّحَ ويخْرُجَ عَنْ مَذْهَبِ مَنْ كان قلَّده، فالصَّحيحُ أنَّ عليه التزامَ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ، ذَكرَهُ المنصورُ بالله، والشيخ الحسن، والشيخُ أحمد بن محمد، واحتجَّ لهم بوجوه.

أحدُها: بالإجماع وهو أنَّه لا يُعْلَمُ أحد مِنَ المقلِّدين يَتَردَّدُ بَيْنَ مذاهِبِ عُلمَاءِ الإِسلام المتقدِّمين منهُم والمتأخِّرين، ففي مسألة يقلِّدُ أبا بكرٍ، وفي أُخرى عمر، وفي ثالِثَةٍ ابنَ عبَّاس، وفي رابعة ابنَ مسعودٍ، وهَلُمَّ جَرَّاً، ولا منْ يكون مقلِّداً لطاووس، وعطاء، وللحَسَن، والشّعبي، ولابن المسيِّب، ولغيرهم مِمَّن وراءَهم، فقلَّد في كُلِّ مسألة إماماً في أبوابِ الفقهِ ومسائِلِهِ جميعاً، ولا مَنْ يكون حَنَفِيَّاً في مسألة، شافِعِيَّاً في أخرى، مالكيَّاً حنبليَّاً هادويَّاً ناصرِيَّاً في مسألة مسألة هذا ما وَقعَ ولا عُلِمَ به، ولو وقع في زماننا، لأنكرَهُ النَّاسُ.

أقول: ضَعْفُ كلامِ السيِّدِ في هذا يتبيَّنُ بأنظار.

النظر الأول: أنَّه مَنَعَ مِنْ جوازِ التَّرجيح للمقلِّدِ في كُلِّ مسألة، وظنَّ أن المنصور، والشَّيخ الحَسَنَ منعا مِنْ ذلك لإيجابِهِمَا التزامَ مذهبِ إمامٍ مُعَيَّنٍ، وليس كما توهَّم السيدُ، فبينَ المسألتيْنِ فرقٌ واضحٌ، لَأنَّ المنصور عليه السَّلامُ إنَّما أوجب التزامَ مذهبِ الأعلمِ الأفضلِ، لَأنَّ الظَّنَّ بِصِحَّةِ قولهِ أقوى، قال المنصور (٢) عليه السَّلامُ ما لفظه: ومتى اتَّفق أهل العلمِ والاجتهادِ في الفتوى، وَجَبَ على المستفتي قَبُولها بلا خلافٍ في ذلِكَ، وَإِن اختلفوا، وجبَ عليه عندَنا الاجتهادُ في أعلمِهِم وأديَنِهِمْ، وطلبُ الأمارَاتِ على ذلِكَ، لأنَّ ذلِكَ يُمْكِنُه وَهُو مُقَوٍّ لظنِّه، وقد تقرَّر وجوبُ


(١) في (ش): وإما.
(٢) في (ب): المنصور بالله.

<<  <  ج: ص:  >  >>