الكذب عليه، ووضع الأحاديث الباطلة عمداً في مثَالِبِه، بل فيه عن علي عليه السلام أنَّه قال: ألا إنَّ أَكْذَبَ الناسِ، أو أكذَب الأحياء على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة، فهذا ما يقطعُ العَارِفُ ببطلانه عن علي عليه السلامُ، وأرجو ألا تَصِحَّ حِكايتُه وتقريرُه عن ابنِ أبي الحديد.
والجوابُ عما نسب إلى أبي هريرة وأمثاله من أفاضل السلف المتواتر فضلُهم، وعلو مراتبهم مِن وجوه.
الوجه الأول: أن تعمُّدَ الكذبِ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مثالبِ عليٍّ عليه السلام ما لا يَفْعَلُهُ عاقل لا كافِرٌ ولا منافق، ولذلك لم يَصْدُرْ ذلك مِن أعداء علي عليه السلام، فإنَّ حب النبي - صلى الله عليه وسلم - لعليٍّ وتعظيمَه وتكريمَه، وتشهيرَ مناقبه، والدوامَ على إظهار فضائله كان معلوماً بالضرورة خصوصاًً لأهل ذلك العصر، فالمعارِضُ لذلك لا يريدُ على حمل السامعين على خساسته ونُقصانِ عقله، وسقوطِ منزلته، ولا فرق بينَ أن يقدح في فضلِ علي، وحُبِّ النبي - صلى الله عليه وسلم - له، وبين أن يَقْدحَ في نسب علي، وأنه ليس مِن بني هاشم، وأنه لم يسْبِقْ إلى الإِسلام، وأنه نَصَبَ الحربَ والعداوةَ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عامِ الفتح، وأسلم قهراً كما أسلم أبو سفيان حين أسلم، وأنه لم يشهد بدراً ولا أُحُداً، ولا أبلى في المشاهد. فهل ترى يَصِحُّ في عقل عاقل، أن أحداً في ذلك العصر يستطيعُ أن يكذب مثلَ هذه الأشياء على أمير المؤمنين ولو كان أكفرَ الكافرين، وأبغضَ البُغضاء، والمنافقين. ومن جَوَّزَ وقوعَ مثل هِذا في ذلك العصر من أعداء علي عليه السلامُ، لم يَزِدْ على أن يبين للعقلاء أنه ناقصُ العقلِ، عديمُ المعرفة، بهيمي الفِطنة، حِمَارِيُّ القلب. فإذا تقرَّرَ هذا، فلا فرق بينَ هذه الأشياء، وبينَ رواية مثالب فاحشة في أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك العصرِ للمهاجرين والأنصار أهلِ العقول الراجحة، والبصائرِ النافذة، والأفهامِ الثاقبة، ولذلك