قلتُ: وهذا أكثرُ ترخيصاً، لأنَّ فيه جوازَ الاجتهادِ لقومهم، مع أنهم أقلُّ عِلماً منهم، وذلك لأن العملَ بالحديث المسموع مِن الراوي عن النبي عليه السلام هو شأنُ المجتهد.
فإن قلتَ: إن سببَ سهولةِ الاجتهاد في عصر الصحابة أنهم كانوا يفهمونَ كلامَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ونحن لا نعرِفُ معناه إِلَّا بقراءة العربية، وفي مجموعها صعوبةٌ كلية.
قلت: هذا يندفِعُ بوجهين:
أحدهما: أنا لم نقل: إن الاجتهاد في زماننا في السُّهولة مثلُ ما كان في زمانهم، بل نحن نُسَلِّمُ أنَّه كان أسهلَ عليهم، لكن لما احتججتَ على تعسُّره بهم، بَيَّنَّا لك أنَّه لم يكن عسيراً عليهم حتى يَصْلحَ عُسْرُه عليهم حُجَّةً على تعسُّره علينا، وبيَّنا أنَّه كان سهلاً عليهم، ولا يخفي عليك أن سهولتَه عليهم لا تصلُح حجةً على عُسره علينا، ولا على المساواة في السُّهولة بيننا وبينَهم مِن غير فَرْقٍ.
وثانيهما: أنا نبَيِّنُ أن افتراقَنا في معرفة العربية ليس يقتضي تعسيرَ الاجتهاد على الإِطلاق لوجهين:
أحدُهما: أن أكثر آيات الأحكام، وأحاديثه لا تحتاج إلى قراءة العربية في فهم معناها، والدليل على ذلك حُجتانِ:
الحجة الأولى: أنها لو احتاجت إلى ذلك، لوجب أن تكونَ العلة أن كلامَ الله وكلامَ رسوله عربيان، لكن معنى العربي هو ما ليس فيه لَحْنٌ ولا تصحيفٌ. إذا تقرر هذا فتصانيفُ علماء العربية والفقه والحديث والتفسير، وكتب الفضائل، وكتب السِّير وسائر الفنون عربية، لأن العلماءَ المصنفين لها