للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قادرٌ، موصوفٌ بجميع صفات الكمال، غيرُ مُمَثلٍ بشبيه ولا مثال، فقد أمكن الصدر الأوَّل إدراك هذا من غير ممارسة، ولم يَصِمهُم أحدٌ بالبَلَه وجُمود الفطنة ممن هو أذكى منك قلباً، وأرجحُ لُبَّاً، وأصلبُ ديناً، وأتمُّ يقيناً.

وإن قلت: إنَّ العقائد التي لا تُدركُ إلاَّ بالممارسة، هي قولُ شيوخكم من (١) المعتزلة: إن الله تعالى لا يعلمُ من نفسه إلاَّ ما يعلمونه، وإن الأجسام، والأعراض، والصِّفات غيرُ مقدورة لله تعالى على الحقيقة، وإنَّما مقدورُه شيءٌ يدقُّ تصوُّره، أو لا يُتَصَوَّرُ البتة، وقد سمَّوهُ بالأحوال (٢)، وذلك أن ذات الموجود عندكم غيرُ مقدورة، وصفةُ الوجود كذلك، وكلاهما غيرُ مقدورين عندهم، والمقدورُ عندهم أمر رابع، وهو يُسمَّى حالاً، وهو عندهم كونُ الذات على الصفة، وبإجماعهم أن (٣) هذا الحال لا يُسمَّى شيئاً، فحصل من مجموع هذا أن الله عندهم لا يقدر على شيءٍ، وهم يُصرِّحون أن العالم كله لم يزل ولا يزال، وأنه ثابت فيما لم يزل، ولكنه غير موجود فيه، ويفرِّقون بمجرَّد اصطلاحهم بين الثبوت والوجود، وكل هذا حتى يتعلق علم الله تعالى بالأشياء في الغيب قبل حدوثها بأمورٍ ثابتة مُحقَّقةٍ، فليتهم قَنِعُوا في متعلق علم الله تعالى بمثل ما قَنِعُوا به في متعلق قدرته من كونها لا تتعلق بشيءٍ ثابت مُحقَّقٍ فيما لم يزل، أو ساووا بينهما، فجعلوا متعلَّقهما كُلَّ ما يُسمَّى شيئاً حقيقةً أو مجازاً على عموم ما نطق به القرآن، وقام عليه البرهان.


(١) " من " ساقطة من (ش).
(٢) في " ش ": الأحوال.
(٣) في (ش): على أن.

<<  <  ج: ص:  >  >>