للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن ذلك يلزمهم بالاتفاق، وإنما تَصِحُّ تهمتُهم بالكذب لأجل أن ذلك مذهبُهم، فإن قال السيد: إن ذلك مذهبُهم، لم يتِمَّ له ذلك لإِمور:

أحدها: أنَّه معلومٌ ضرورة أنهم لا يذهبون إلى أنَّه لا فائدة في الطاعة.

الثاني: ما قدمنا في الوجه الأوَّل مِن سؤالهم، والنظر في كتبهم، فنجد ذلك على خلاف ما ذكره السيد، فنعلم أن تلك الدعوى عليهم باطلة.

الثالث: أنا قد علمنا بالضرورة أنَّهم يفعلون كثيراً من الطاعات الشاقة، ومذهبُ المعتزلة والأشعرية وسائر العقلاء أن من اعتقد في فعل أنه لا فائدَة فيه ولم يكن له شهوةٌ لم يفعله ألبتة، وإنما اختلف الناسُ: هل يكون تركُهُ واجباً ضرورة، أو مستمراً غير واجب؟ فالمعتزلة ذهبت إلى أنَّه مستمر، والأشعرية ذهبت إلى استحالة فعله. فحين قال السيد: إنَّهم يدهبون إلى أنه لا فائدةَ في الطاعة لا تخلو من أحد وجهين، إما أن يجمع إلى ذلك دعوى أنه لا يَصْدُرُ منهم طاعة ألبتة، وأنهم يقطعون الصلواتِ، وُيفطرون رمضان، ولا يُوجد فيهم مَنْ يصومُ، ولا يُصلي، ولا يَحُجُّ، ولا يتلو القرآنَ، فهذه سَفْسَطَةٌ محققة، وإما أن تقول: إنهم يفعلون هذه الأشياء بغيرِ داع ألبتة، فهذا خلافٌ منه لجميع العقلاءِ، ويلزمه أيضاًً أن يجوز على الله أن يفعل القبائحَ لا لداعٍ ولا لحاجةٍ، بل لأنَّه قادر على ذلك لا غير، كما يعرف أنَّ ذلك لازم من القول عند أهل المعرفة بالكلام.

الوجه الثالث: أنهم لو ذهبوا إلى أنَّه يجوز على الله أن يُعَذِّبَ رسول الله وسائرَ الأنبياء والملائكة، لكان كُفْرُهُمْ معلوماً بالضرورة من

<<  <  ج: ص:  >  >>