للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جلالُه الذىِ وعد به، ومن نازع في هذا، فقد نازع في أجلى من النهار، وقَرَّرَ كلامَه على شفا جُرُفٍ هَارٍ، وفي أمثال العرب مَنِ ادَّعى البَاطِلَ أنجح به (١). ومن أمارات العاقل إن لا يَدَّعِيَ ما لا يُمْكِنُ، ولا يقولَ ما لا يُصَدَّقُ.

ثم نقول للسيد: إما أن تَدَّعِيَ أنهم لا يُصلون، ولا يصومون، ولا يحجُّون، ولا يفعلون شيئاً من الطاعات، لم تستحقَّ المكالمة، أو تُقِرَّ بأنَّهم يفعلون ذلك، فَأَخْبِرْنَا: هل يفعلون ذلك لِيعذِّبهم الله في الآخرة، أو ليثيبهم؟ فإن قلت: لِيعذِّبهم في الآخرة، لم تُخاطَبْ أيضاًً، لأن الفعل لا يُوجَدُ من غير داع، فكيف يفعل لأجل الصارف عنه، وإن قال: لِيُثيبهم، فقد أبطل قولَه، وأكذبَ روايتَه، فلو كان مذهبُهم أنَّ الله يُعذِّبُ على الطاعة ما فعلوها ليِثيبهم عليها، وما كنتُ أحسب أن السيدَ أيدَهُ الله يُحوج إلى مثل هذا الكلام.

وثانيهما: أعني الوجهين الدَّالين على أن السيدَ سلك سبيلَ المغالطة في هذه الدِّلالة التي ادَّعاها قولُه: فلا فائدة في الطاعة، وذلك أن هذا الكلامَ من جملة مقدماتِ السَّيِّد الْمُنْتِجَةِ لعدم قبولهم، وليس هو النتيجةَ الحاصلَةَ مِن الدليل، بل هذا الكلامُ أحدُ أركان الدليل، ولا شكَّ أنَّه مغالطة أيضاًً، لأنَّه إمَّا أن يدعيَ أن مذهبَهم: أنَّه لا فائدةَ في الطاعة أم لا، إن لم يَدَّعِ ذلك، لم يدل على مقصوده من أنَّهم كذبة، لأنَّهم متى اعتقدوا أن الطاعةَ مفيدة، صدقوا في الحديثِ رغبةً في فائدة الطاعة، وخوفاً من عقاب المعصية، وإن كان يلزمهم أنَّه لا فائدةَ فيها، فإنَّهم لا يكذبون لأجل


(١) في " لسان العرب ": ويقال: أنجح بك الباطلُ، أي: غلبك الباطل، وكل شيء غلبك، فقد أنجح بك، وإذا غلبته، فقد أنجحت به.

<<  <  ج: ص:  >  >>