للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المُتَجوَّز فيه، وإنما عنى بالإرادة حيث أطلق تأثيرها في الكلام، فعلى هذا القصد الذي بُيِّن في هذا التفصيل أن الإرادة (١) تسمى به حين تختص بالتأثير في الكلام.

فعلى هذا لو سلَّم أهل السنة أن الإرادة فعل الله وحده في العبد والاختيار إلى العبد، جاز أن يوقع الفعل به على الوجه القبيح، ويكون القبيح منسوباً إلى العبد دون الله تعالى، كما أن الله لما أوجد فيه العلم والقدرة المؤثرين في الإحكام، ووقع الإحكام باختياره، كان الإحكامُ منسوباً إلى العبد.

على أنا لو سلمنا ضعف كلام أبي هاشم في ذلك، فقد عرفت مما ذكرته أن الأمر قد انتهى في هذه المسائل على الدقة الكبيرة (٢)، فمن بنى مذهبه على مثل هذا وشاركه في أساس مذهبه مثل أبي هاشم وأتباعه كان خليقاً عند المعتزلة بعدم التكفير، بل بعدم التشنيع والتحقير، وكل ما بُنِي على التدقيق، فهو دقيقٌ بلا خلاف بين أهل التحقيق، فيرتفع بذلك التكفير والتفسيق، وتَنسَدُّ إليه عند الإنصاف الطريق.

فإن قيل: فكلام هذه الفرقة ينبني على صحة القول بمقدورٍ بين قادرين، وتجويز فعلٍ واحدٍ لفاعلين، فما الذي ألجأهم إلى هذا؟

قلت: أمران عقلي وسمعي:

أما العقلي: فالفِرار من تعجيز الله عز وجل، فإن من قال بإحالة ذلك استلزم القول بأن الله عزَّ وجلَّ لا يقدر على أعيان مقدوراتِ العباد، حتى أفعال ما ضربه الله تعالى مثلاً في الضعف والحقارة من البعوضة والذباب والعنكبوت، وقد التزمت هذا المعتزلة إلاَّ أبا الحسين، حتى قالت البهاشمة من المعتزلة: إن في العدم ذواتٍ مُمكِنَة الوجود، وهي غير مقدورةٍ لله تعالى، وهي جميع مقدورات العوالم والحيوانات.


(١) في (ش): فعلى هذا القصد بين في هذا التفصيل لأن الإرادة.
(٢) في (أ): الكثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>