للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أُلزِمُوا (١) التكفير في هذا، واعتذروا عنه بحيلتهم المعروفة في تسميته مُحالاً، وتفسير المحال بأنه لا شيء، والمنع من القدرة على لا شيء.

وبهذه الحيلة احتال كل عدوٍّ للإسلام في تعجيز الرب جل جلاله عن كثير من الممكنات، حتى اعتذر بذلك من منع من معاد الأجساد من الزنادقة.

ومن العجب أن الذي ألجأ المعتزلة إلى هذا القول الساقط أمرٌ قريب، وهو قولهم: إن أحد القادِرَيْن لو أراد إيجاد مقدوره، وأراد الآخر خلافه، أدى إلى أحد باطِلَيْن: إما وجودُ مقدور القادر من غير إرادته، وإما عدمه عندها (٢).

وجوابه واضحٌ: وهو أن مقدوره إنما يكون مقدوراً له بشرط عدم المانع، ومع وجود المانع ليس بمقدورٍ، والقادران إن كانا مِثْلَيْنِ كالعبد مع العبد جاز أن يتمانعا حين يستويان، وأن يغلب أحدهما الأضعف حين يتفاضلان، وإن لم يكونا مثلين كالعبد مع الرب عزَّ وجلَّ كان في مقدور الله تعالى واقعاً مطلقاً متى أراد، ومقدور العبد مشروطاً بعدم منع الرب عزَّ وجلَّ له، وليس في هذا دِقَّةٌ، فمعذرتهم في هذا غلطةٌ داحِضَةٌ لا شبهةٌ غامضةٌ.

ولولا كثرة التجرُّؤ على ذي العزة والجلال ما أقدموا على تعجيزه سبحانه بمثل هذا الخيال، ولكن ليس يلزم من القول بقدرة الرب تعالى على أفعال العباد القطع بأنه سبحانه قد شاركه في فعلها، فإنه سبحانه موصوفٌ بالقدرة التامة على ما يفعل وعلى ما لا يفعل، وهذا هو مذهبُ طوائف أهل السنة الثلاث الآتي ذكرها، وهو أوسط الأقوال وأعدلها.

وأما الأمر السمعي، فهو نوعان: عمومٌ وخصوصٌ.

أما العموم: فكثيرٌ شهير، مثل قوله تعالى: {الله خَالِقُ كلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦]، وقوله: {إنَّا كُلَّ شَيءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩]، وقوله: {وخَلَقَ كُلَّ


(١) في (أ): التزموا، وكتب فوقها: ألزموا، وهي كذلك في (ش): ألزموا.
(٢) في (ش): عند وجودها.

<<  <  ج: ص:  >  >>