فإذا عرفتَ هذا، فحديثُ المتأولين مِن جملة ما جاء عن الله ورسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مما يظن صحتُه، ويعتقد تحري رواته في الصدق وأمانتِهم في الرواية، فوجب الامتثالُ، وأمِنَّا باتباعهِ من الشقاء والضلال.
الحجة السابعة عشرة: قوله تعالى: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ}[الملك: ١٠] ذَمَّهُمُ الله تعالى بعدمِ الاستماع، وهو مطلق في كل ما جاء عن الله تعالى من معلوم ومظنون، خرج المُجْمَعُ على ردِّه، وبقي المُخْتَلَفُ فيه إلاَّ ما خصَّه دليل، وأمثال هذه الآية الكريمة كثيرٌ في القرآن الكريم مما ورد في ذَمِّ مَنْ لا يسمع، ومدحِ المستمعين مثل قوله تعالى:{سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}[البقرة: ٢٨٥] وأمثال ذلك.
الحجة الثامنة عشرة: قوله تعالى: {خُذُوا مَا آَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة: ٦٣] فهذا عام فيما آتانا الله تعالى مِن معلوم ومظنون، وقد ثبت أنَّه تعالى إذا أمرنا بأمرٍ، وجبَ علينا منه ما علمنا وما ظننا، ألا ترى أنَّه يَجِبُ طلبُ الماء للطهور حيث يُعْلَم وحيث يُظن، ولا يُجزىء الاكتفاءُ بالطلب في المواضع المعلوم وجودُه فيها مع ترك المواضِع المظنون وجوده فيها، وقد ثبت عنه عليه السَّلامُ أنَّه قال:" إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأمْرٍ فَأتُوا مِنْه ما اسْتَطَعْتُم "(١).
(١) أخرجه البخاري (٧٢٨٨) في الاعتصام، ومسلم (١٣٣٧) في الحج من حديث أبي هريرة، ولفظه بتمامه " ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك مَنْ كان قبلكم سؤالُهم واختلافُهُم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء، فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء، فأتوا منه ما استطعتم ". وقد توسع الحافظ ابن رجب في شرح هذا الحديث في " جامع العلوم والحكم " ص ٨٣ - ٩٢ فراجعه.