للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك من ضاهي هؤلاء، وهم الذين يقولون ليس بداخل العالم ولا بخارجه. إذا قيل لهم: هذا ممتنعٌ في ضرورة العقل، كما إذا قيل: ليس بقديمٍ، ولا محدثٍ، ولا واجب، ولا ممكن، ولا قائم بنفسه، ولا قائم بغيره، قالوا: هذا إذا كان قابلاً لذلك، والقبول إنَّما يكونُ من المتحيز، فإذا انتفى التحيُّزُ (١) انتفى قبول هذين المتناقضين.

فيقال لهم: علمُ الخلق بامتناع هذين النقيضين، هو علمٌ مطلقٌ لا يُستثنى منه (٢) موجود، والتحيز المذكور إن أريد به (٣) كونُ الأحياز الموجودة محيطةً به، فهذا هو الداخل في العالم، وإن أريد به أنه منحاز عن المخلوقات أي مباين لها متميزٌ عنها، فهذا هو الخروج، فالمتحيز يراد به تارةً ما هو داخل العالم، وتارةً ما هو خارجه، فإذا قيل: ليس بمتحيزٍ، كان معناه ليس بداخل العالم ولا خارجه، فهم غيَّروا العبارة، فيتوهم من لا يفهم حقيقة قولهم أنَّ هذا معنىً آخر، وهو المعنى الذي عُلِمَ فسادُه بضرورة العقل، كما فعل أولئك في قولهم: ليس بحيٍّ، ولا ميت، ولا موجود، ولا معدوم، ولا عالم، ولا جاهل.

القاعدة الثانية: أن ما أخبر به الرسول عن ربِّه فإنَّه يجب الإيمان به، سواء عَرَفنا معناه أو لم نعرف، فما جاء في الكتاب والسنة، وجب الإيمانُ به، وكذلك ما ثبت باتفاق سلف الأمة وأئمتها، وما تنازع فيه المتأخرون فليس على أحد، بل ولا له أن يُوافِقَ على إثبات لفظٍ أو (٤) نفيه حتى يعرِفَ مراده، فإن أرادَ حقّاً قُبِلَ، وإن أراد باطلاً رُدَّ، وإن اشتمل


(١) في (ش) و (د): المتحيز.
(٢) في (ش): شيء.
(٣) " به " ليست في الأصول، وهي من " التدمرية ".
(٤) في (ش): و.

<<  <  ج: ص:  >  >>