للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرعون: {وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ} [البقرة: ٤٩] ولم يقل: إنه من ربِّكم بالإطلاق، لأنه قبيحٌ، والبلاء الذي فيه من الله تعالى حَسَنٌ.

وبذلك جاء القرآن والسنة، وبه عَبَّرَت الصحابة والتابعون، فما نُقِلَ عن أحدٍ منهم بسندٍ صحيح ولا ضعيفٍ إنه قال: الكفر والفسوق والقبائح والفواحش والفضائح من الله، ولا تَفَوَّهَ أحدٌ منهم، ولا من أهل السنة القدماء بهذا، حتى تفاحَشَ الغُلَوُّ في علم الكلام والجدال، وفَشَا التقليد في ذلك، وابتُدِعَتْ عبارات أهل الجبر وأهل الاعتزال، وتَرْجَمَ عن الحق وأهله من لم يشتغل بتأمل القرآن والسنة، ويتوقَّفُ عليهما وعلى آداب السلف الصالح.

النوع الثاني: قريبٌ من هذا الأول، لكن (١) دلالته بالمفهوم الصحيح الواضح، لا بالنُّصُوصِيَّة، من ذلك قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [البقرة: ١٤٧]، وفي آية أخرى: {فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} [آل عمران: ٦٠]، وقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة: ٢٦] وقوله: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ} [البقرة: ١٤٩]، وقوله تعالى: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] إلى أمثالٍ لذلك كثيرة.

ففي هذه الآيات الكريمة أوضح دلالةٍ على أن المضاف إلى الله يختصُّ بصفة الحق، ولا يجوز أن يكون باطلاً، ولو كان كما زعم المخالف لَمَا كان لتخصيص الحق بذلك معنى ألبتة، ومن هنا تَسَمَّى بالحق، وكان قوله الحق، وحكمه الحق، وهو الحق اسماً ومعنىً، وقضاءً وقَصَصاً، وفعلاً وقولاً، وخلقاً وأمراً، وعدلاً وفضلاً، وابتداءً وانتهاءً، ودنيا وآخرةً، وتفاصيل ذلك ما لا يُحصِيه الكتاب، ولا يجمعه الكتاب، وجُملَتُها يَجْمَعُها الحقُّ المبين، الحق في نفسه، المبين لكونه حقاً بأفعاله وعجائب مخلوقاته، وعظيم نِعَمِهِ، فلم يكن سبحانه باطلاً منفِيّاً، ولا حَقّاً خَفِيّاً، بل جمع أسباب (٢) الكمال، وتَنَزَّهَ من النقائص عن أدنى أدنى أدنى احتمالٍ.


(١) في (ش): ولكن.
(٢) في (أ): أشتات.

<<  <  ج: ص:  >  >>