للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والنوم، فأضافه إلى الشيطان لأنه الذي يدعو إلى إعطاء النَّفْس شَهْوَتَها، وأراد به التحذير من السبب الذي يتولَّد منه، وهو التوسُّع في المطعم والشِّبَع فيَثْقُلُ عن الطاعات، ويَكْسَلُ عن الخيرات. انتهى بحروفه.

فانظر إلى عبارات أئمة السنة واعترافهم بصحة إضافة القبائح إلى أهلها بحرف " مِنْ "، فإنه لم يجعل ذلك موضع الإكسال فتناوله، وإنما جعل موضعه أن التثاؤب قد يكون ضرورياً من فعل الله، لكنه حينئذٍ يكون سببه اختيارياً من فعل الشيطان، فأُضيف السبب والمُسَبَّبُ إلى الشيطان، كما قال أيوب عليه السلام: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} [ص: ٤١]، وكما قال موسى كليم الله عليه السلام: {هذا من عَمِلِ الشيطان} [القصص: ١٥].

وأما فعل القبيح الاختياري الذي هو التوسع في المطعم فلا إشكال في أنه من الشيطان بغير تأويلٍ، ولو نقلنا جميع ما لأهْلِ السنة في هذا لطال وأدَّى إلى الإملال.

وفي معنى كلامهم: {قُلْ إِنْ ضَلَلْتُ فَإِنَّمَا أَضِلُّ عَلَى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِمَا يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي} [سبأ: ٥٠].

وكذا قال الفقهاء في المغصوب: إذا زاد إما أن يكون من الخالق أو المخلوق. ذكره ابن رشد (١) في الغصب من " نهايته " (٢) مطولاً.

وكل ذلك يدل على شهرة نسبة القبائح والفضائح والرذائل والفواحش إلى من اختارها لنفسه من شرار العباد من أهل الغَيِّ والفساد، ومتى نُسِبَتْ إلى تقدير العزيز العليم الذي قَدَّرَ وُقوعها بحكمةٍ بالغةٍ، وحُجَّةٍ دامغةٍ، نُسِبَتْ إلى ذلك بالعبارات التي ارتضاها ربُّ العباد لنفسه، واصطفاها في كتابه، وانتقاها في كلامه، فقال: إنها ابتلاءٌ من الله وتمحيصٌ، كما قال سبحانه وتعالى بعد ذكر


(١) في (ش): رشيد، وهو تحريف.
(٢) " بداية المجتهد ونهاية المقتصد " ٢/ ٣١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>