للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طَلَبِ الظن الأقوى لِمَنْ يمكنُهُ العلمُ، وأنَّه لا يجوز العدولُ عنه إلى الظن الأضعفِ مع التَّمَكُّنِ منَ الظن الأقوى، إلى آخِرِ كلامِه عليه السلام.

ومَنْ نَظرَ في كلامِهِ هذا، ظهرَ لَه أنَّه أكثرُ مناسبةً لكلامي؛ لَأني تمسَّكْتُ بما نصَّ على وُجوبه من اتِّباع الظَّنُّ الأقوى، وتحريم العمل بالظن الضَّعيفِ، وأنا وافقتُ المنصورَ عليه السلامُ في المعنى، والسَّيِّدُ وافقه في الصُّورَةِ، وتوهَّم أنَّ الموافقَةَ في الصُّورَةِ أرجحُ مِنَ الموافَقَةِ في المعنى، وهذا غلط واضِحٌ، فإنَّ المُوافَقةَ الصُّوريَّة لم يَردِ التَّعبُّدُ بها إلا مُتابَعَةً للموافقةِ المعنَويَّة، والموافَقةُ المعنويَّةُ هي المقصودَةُ، ومثالُ ذلِك أنَّ الواحِدَ مِنَّا لو تزوَّج تِسْعَ نساءٍ على الجمع، لكانَ مُوافِقَاً للنَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الصُّورة، ولكنَّه لمَّا كانَ مُخالِفَاً في المعنى، حَرُمَ ذلِكَ، وكذلكَ المرأةُ لو سترت مِنَ السُّرَّةِ إلى الرُّكْبَة، وكَشَفَتْ ما عدا ذلك، لكانت موافقةً للنَّبِي عليه السَّلامُ في الصُورَة؛ لكِنها مخالِفَةٌ له في المعنى، وأمثالُ هذا كثيرةٌ (١)، وقد يغترُّ كثيرٌ مِنَ المقلِّدين بالصُّورة.

النَّظر الثاني: أنَّا نُبَيِّنُ أنَّ مذهبَ المنصُورِ بالله عليه السلام هوَ مَا ذكرنا بطريقة التَّخريج (٢) الصَّحيحَةِ الواضِحَةِ التي نَصَّ على صِحَّتِها الأئِمَّةُ.

فنقول: قَدْ بَيَنَّا الدَّليلَ فيما تقدَّم، على أنَّ السَّامِعَ للحديثِ الصَّحيح مِنَ الثِّقة المُرْضِيِّ إنْ لم يَحْصُلْ لَهُ به ظَنٌ، لم يجب عليه التَّرجيحُ به، وإنْ حَصَلَ لَهُ مِنْه (٣) ظَنٌّ راجِحٌ، وجب عليه العمَلُ به. وقد


(١) في (ش): كثير.
(٢) في (ش): الترجيح.
(٣) " منه " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>