للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من الرواة، ألا ترى كيف قال له علي بن الحسين عليه السلام: إنما العلم ما عرِفَ وتواطأت عليه (١) الألسن.

وهذا هو مذهب المحدِّثين. قال مالك: من حدَّث بالغرائب كذب، ومن أصول المحدثين الجرح بكثرة الرواية للغرائب عن الثقات المشاهير، وقد كانوا يجدون من يروون عنه حديث الزهري من أهل الزهادة، لكنهم رأوه أحفظ من أولئك الزهار وأعرف، وكم من زاهدٍ تقيٍّ وهو ضعيفٌ عند المحدثين، لا تحِلُّ الرواية عنه لما جرَّبُوا عليه من الوهم الكبير والتخليط، فمن أنِسَ بعلم الحديث، عرف أن الذي ينفرد به الزهري ويُغْرِبُه لا يكون إلاَّ قدراً يسيراً، ولعل الذي يتعلَّقُ بالتحليل والتحريم لا يكون إلاَّ دون الرُّبُع من ذلك، فلو قدَّرنا بطلان الاحتجاج ما كان ذلك (١) يضرُّ، فكم تكون أحاديثه في جنب أُلوفٍ من الحديث، فجملة ما تفرَّد قدر تسعين حرفاً بأسانيد جيدةٍ، كذا قاله مسلم بن الحجاج فيما نقله عنه ابن الصلاح، ذكره ابن العراقي في " التبصرة " (٢) في الكلام على الشاذ، وهذا مقدار ثلث العشر، يزيد يسيراً، فإن ثلث عشر حديثه ثمانون حديثاً، ولا شك أن من روى ثلاثين حديثاً فواق الثقات في تسعةٍ وعشرين، وانفرد بحديثٍ واحدٍ، حافظٌ ثقةٌ، بل قال الفقهاء والأصوليون إذا كان صوابه أكثر، ولو بحديثٍ، وجب قبوله.

فهذه الأحاديث التي شذ بها الزهري لا يكون في الصحيح منها إلاَّ اليسير، ولا يكون في التحليل والتحريم من ذلك إلاَّ اليسير، مع أن كلام مسلمٍ لا يدلُّ على نفي الشواهد، وإنما يدلُّ على نفي المتابعات، وبينهما فرقٌ موضعه علوم الحديث ومع أن جماعةً من الكبار قد حكموا بالغرابة والشذوذ على بعض الأحاديث، ثم انكشف لمن أمعن الطلب وجود متابعات كثيرة لتلك الأحاديث فاعرف ذلك.


(١) ساقطة من (ش).
(٢) ١/ ١٩٥، وقول الإمام مسلم هذا ذكره في " صحيحه " ص ١٢٦٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>