ولم تجعل بيني وبينكَ حكماً. فضربت خَيمةَ الدَّعوى على غير عمودٍ ولا طُنُبٍ، ورفعتَ سقفَ الحكومة على غيرِ أساسٍ ولا خُشُب.
التنبيه الثاني: المراجعةُ في أنَّ الاجتهادَ مُتَعَسَرٌ أو مُتيَسِّر من غرائب الأساليب المُتَعَسِّفَة، لأن مقاديرَ التَّسَهُّلِ والتَّعَسُّر غيرُ مُنْضَبِطَةٍ بحَدٍّ، ولا واقفةٌ على مِقْدار، ولا جاريةٌ على قِياس، ولا يصحُّ في معرفة مقاديرها برهانُ العقل ولا نصُّ الشرع، ولا يعرف مقاديرُها بكيلٍ ولا وزن، ولا مساحةٍ ولا خَرْصٍ، فإن من قال: إن حفظ القرآنِ علَيَّ متعسِّرٌ أو متيسِّرٌ، أو حفظَ الفقه، أو طلبَ الحديث، أو الحجَّ، أو الجهاد، أو غيرَ ذلك، كلُّ من ادعى سهولةَ شيءٍ منها -عليه- أو مشقته، لم يعقد له مجلسُ المناظرة، ويُطالب بالبراهين المنطقية، لأن الذي ادَّعاه أمرٌ ممكن، وهو يختلِفُ باختلاف الأشخاص والأحوال، فقد يكون متسهِّلاً على بعض الناس، متعسِّراً على غيره.
فطلبُ العلم متسهلٌ على ذَكيِّ القلبِ، صادقِ الرَّغبةِ، خَليِّ البالِ عن الشواغلِ، الواجدِ للكتب المفيدة، والشيوخ المُبَرِّزِين، والكفايةِ فيما يحتاج إليه، ونحو ذلك من كثرة الدواعي، وَقِلَّةِ الصوارف.
وطلبُ العلمِ متعسِّرٌ على مَنْ فقد هذهِ الأشياءَ كلَّها، وابتُلِيَ بأضدادها، وبينهما في التَّيسُّرِ والتَّعسُّر درجاتٌ غيرُ منحصِرَةٍ، ومراتبُ غيرُ منضبطةٍ، وبينَ النَّاس من التفاوت ما لا يُمْكنُ ضَبْطُهُ ولا يَتَهَيَّأ، وأين الثَّرى من الثُّريَّا!.
وجامدُ الطبع، بليد الذِّهْنِ؛ إذا سَمِعَ من يدَّعي سهولَة ارتجال القصائد والخُطَب، وتحبير الرسائلِ والكتُب، توهم أنه بمنزلةِ من يدعي