للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلتَ: إنك إنَّما خَصَصْتَ كُتُبَ الحديثِ لما ذكرتَ مِن أن بينَنا وبينَهم المجبرة والمشبهة والمرجئة.

قلنا: سوف يأتي عند الكلامِ على هذه المسألة أنها مسألةُ خلاف بَيْنَ الخَلَف وأن قبولَهم إجماعُ السَّلَفِ، وأن الإنكارَ على المخالف فيها إجماعُ الخلف والسَّلَف، فأنت إمَّا أن تذهب إلى ما ذهبنا إليه من قبولهم أو سكت عن المنعِ مِن ذلك، ويسعُك في السُّكوتِ ما وَسَعِ أمَّة النبي - صلى الله عليه وسلم - منذ تُوفي -عليه السلامُ- إلى سنةِ تسعٍ وثماني مئة فإنه ما عُلم أحَدٌ أنكر على مَنْ ذَهَب إلى أحد المذهبين، وسيأتي الكلامُ على هذه المسألة.

الجواب الثاني: أجمعت الأمَّة على جواز إسناد ما في كتب الحديث إلى أهلها بعدَ قراءة مَنْ يُوثَقُ به من الشيوخ، والدليلُ على ذلك أن العلماءَ ما زالوا يقولُون في كتبهم: هذا الحديث رواه البخاري، أو رواه مسلم، أو غيرُهما من أهل الحديث مِن غير نكير في هذا على الرَّاوي مع كثرة وقوع هذا منذ صنفت هذه الكتبُ إلى هذا التَّاريخ وذلك قريبٌ مِن خمس مئة سنةٍ ما علمنا أنَّ أحداً من المسلمين حرَّم على مَنْ قرأها على العلماء أن يَنْسُبَ ما وَجَدَ فيها إلى مُصنِّفيها ولا حَرَّجَ في هذا حتى السَّيِّد -أيَّده الله- فإنه مع تحريمه لهذا روى عن البخاري ما زعم أنه يدلُّ على أنه مِن الجبرية كما سيأتي بيانُه في موضعه، وبيان الغلطِ على البخاري في ذلك المأخذ، فالاحتجاج على كفره بما يُوجد في كتابه فرعٌ على صحة كتابه عنه.

والسيِّد -أيَّده الله- لا يزالُ يقرأ فيها، وَينْسُبُ الحديثَ الذي فيها إلى أربابها، ويقول في تفسيره في بعض الأحاديث: رواه مسلم، وفي بعضها: رواه البخاري بهذا اللفظ. فثبتَ بذلك انعقادُ الإجماع على جواز روايتها عن أربابها، والإجماعُ حجة مقدمة على اختيارِ السَّيِّد، وقاطعة

<<  <  ج: ص:  >  >>