للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأبدي، ويقتضي أن هذا الهدى أُوتيه بعضٌ ومُنِعَهُ بعضٌ بمفهوم هذه الآية وبمنطوق كثير من الآيات كقوله: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} [الأعراف: ٣٠] وأمثال ذلك مما يكثر تعداده كقوله: {مَنْ يَشَإِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [الأنعام: ٣٩]، ومنه {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩] فإنها لو كانت بمعنى الإكراه، لكان المعنى: وما تشاؤون الاستقامة إلاَّ أن يُكْرِهَكُم الله عليها، وهذا نقيض مذهب المعتزلة، بل مذهب الجميع أن الاستقامة لا تصح مع الإكراه.

وإن قالوا: هذه المشيئة المنسوبة إلى الله عزَّ وجلَّ هي مشيئة الطاعة التي تلازم الأمر عندهم، وقد شاءها الله تعالى فيما مضى، فالجواب من وجهين:

الأول: أن تلك عندهم غير مؤثرة في وقوع الاستقامة، وهذه مرتبٌ (١) حصول الاستقامة عليها، فافترقا.

الثاني: أن تلك حاصلة من قبل الأمر المقتضي للتكليف في الاستقامة أو معه، فلا يصح ترتيب حصول الاستقامة عليها، كما لا يصح ترتيبه على الأمر لأنهما عند المعتزلة في اللزوم سواءٌ، ولا يصح عندهم أن يقول الله تعالى: وما تشاؤون إلاَّ أن يأمركم الله، ولا جاء مثل هذا في آيةٍ ولا حديثٍ.

فكذلك لا يصح مثله في إرادة الطلب اللازمة للأمر، لأن التكليف بالاستقامة مشروطٌ بحصول المشيئة المقارنة للأمر عندهم، فأيُّ فائدة في أن يقال: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٨ - ٢٩] وقد شاء أن (٢) تستقيموا كلُّكم، فاستقام الأقل منكم، ولم يستقم الأكثر، فلم تُغْنِ مشيئته عن الأكثرين شيئاً، ولا أثَّرت في استقامة الأقلين، وهذا يناقض مقتضى الشرط في حق الكافرين، وهو باطل، أو عدم تأثيره فيه في حق


(١) في (ش): مترتب.
(٢) ساقطة من (أ).

<<  <  ج: ص:  >  >>