للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المستقيمين (١)، وهو لغوٌ لا يصدر من الحكيم سبحانه، والمحتملات العقلية في الآية لا يتأتى على كل منها مصححٌ للتأويل في مذهب المعتزلة، لأن قوله عز وجل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} إما أن يكون مُطلقاً أو مقيداً بالاستقامة. وعلى كلا (٢) التقديرين، فإما أن يكون الاستثناء مُتَّصلاً أو منقطعاً.

الوجه الأول: وهو أن يكون مطلقاً غير مقيد بالاستقامة، فهو يقتضي نفي المشيئة إلاَّ لحصول مشيئة الله عز وجل، وهذا بعينه هو قول أهل السنة هذا إن كان الاستثناء متصلاً، وهو الأمر الذي لا شك فيه، وإن قدَّرناه مُنقطعاً، لم يصح لا على مذهب المعتزلة ولا على مذهب أهل السنة، لاقتضائه نفي المشيئة عنهم مطلقاً غير مُخْرَجٍ منه شيءٌ ولا قائلٌ بذلك، ثم يكون الاستثناء على تقدير انقطاعه جارياً مجرى الاستدراك، فيكون المعنى: لكن مشيئة الله هي الثابتة الحاصلة، وهي أشد بعداً من مذهب المعتزلة، ولا يوافق مذاهب أهل السنة، لأنهم لا ينفون المشيئة المضافة إلى العباد، بل يثبتونها.

وإن ادعى مُدَّع أن مفعول المشيئة المذكورة بعد إلاَّ على تقديرها (٣) منقطعة هو الإكراهُ لم يصح ما ادَّعاه، إذ لا مُشْعِرَ بهذا المفعول، ولا مُرَجِّحَ له على تقدير الاختيار، ثم هو باطل، لأنه يكون تقديره: ولكن مشيئة الله إكراهكم (٤).

وحينئذٍ فإما أن يقدر الثبوت تماماً للكلام أو لا، فإن قُدِّرَ، فهو باطلٌ باتفاق الجميع، لأنه يقتضي أن مشيئة الإكراه واقعة، وإن لم يُقَدَّر، فهو باطلٌ لعدم (٥) تمام الكلام بعد " إلا " المنقطعة لا لفظاً ولا تقديراً، فإن الصحيح أن " إلا "


(١) في (أ) المستحقين، والمثبت من (ش) و (ف).
(٢) ساقطة من (أ).
(٣) " على تقديرها " ساقطة من (أ).
(٤) في (ش): إكراههم.
(٥) في (أ): بعدم.

<<  <  ج: ص:  >  >>