للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن عُبيد الله (١) بن الخيار، عن رجل من الأنصار حدثه أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مجلس يُسَارُّهُ يستأذنه (٢) في قتل رجلٍ من المنافقين، فجهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: " أوليس يشهد أن لا إله إلاَّ الله "؟ قال الأنصاري: بلى يا رسول الله، ولا شهادة له، فقال: " أليس يشهد أن محمداً رسول الله "؟ فقال: بلى، ولا شهادة له، فقال: " أليس يصلي "؟ قال: بلى، ولا صلاة له، فقال: " أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم ". رواه أحمد والشافعي في " مسنديهما " (٣).

ولهذا شواهد في " السنة " كثيرةٌ، لا حاجة إلى التطويل ببسطها، وهو قول الإمام أحمد بن عيسى بن زيدٍ عليهما السلام، نصَّ عليه كما سيأتي بيانه، وعَضَّدَ هذا من الأثر أن خوف الخطر من العقوبة، وأن الخطأ في العفو خير من الخطأ في العقوبة (٤)، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام تمكن من جماعة ممن حاربه في صِفِّين والجمل وغيرهما، فلم يَسِرْ فيهم سيرة الكفار بإجماع النقلة وإجماع العترة والأمة، فدل على أنه لم يعتقد نفاقهم، وأنه لو اعتقد ظاهر الحديث: " أنه لا يبغضه إلاَّ منافق " (٥)، والنفاق الأكبر فمن حاربه أنه يبغضه. وأنه منافقٌ مُظهرٌ للنفاق الذي هو بغضه عليه السلام، ومظهر النِّفاق يجب أن يُسار فيه سيرة الكفار، لا سيرة البغاة، لقوله تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم} [التوبة: ٧٣]، وقد علم منه المنع من السَّبي وتعظيم عائشة عند القدرة، وكذلك عمار، وكذلك عمل الحسين بن علي في صلحه (٦) وحديث الثناء عليه بذلك مع صحته وشهرته، إلاَّ أن يقال: البغض لا يعلم من المحارب، وهذا مردود، فإنه أكثر من البغض، وفي الصحيح: "سباب المسلم


(١) تحرف في (ش) و (ف) إلى: " عبد الله ".
(٢) في (ف): فاستأذنه.
(٣) الشافعي ١/ ١٣ - ١٤، وأحمد ٥/ ٤٣٢ و٤٣٣، وأخرجه مالك في " الموطأ " ١/ ١٧١، وصححه ابن حبان (٥٩٧١)، والحافظ في " الإصابة " ٢/ ٣٣٧.
(٤) انظر ص ٢٠ ت (٤).
(٥) تقدم تخريجه.
(٦) في (ش): " مصالحة معاوية ".

<<  <  ج: ص:  >  >>