وقال الرازي: لا يُعتبر كفارُ التأويل في الإجماع، وُيعتبرون في الرواية، وقد رُوي الخلافُ في فُساق التأويل عن الفقهاء قالوا: تُقْبَلُ روايتُهم، وهو مروي من أئمتنا عن المؤيدِ.
أقول: في كلامِه هذا إِشكالات:
الإشكال الأولُ: أن السَّيِّدَ ذكر في كتابه أنَّه لا يجوزُ للإنسان أن يُقْدِمَ على ما لا يأمَنُ كونَه كذباً، وشدَّدَ في رواية كُتُبِ الحديثِ عن مُصَنِّفِيها.
فنقول: مِنْ أينَ للسَّيِّد أيده اللهُ روايةُ صحيحةٌ بإسناد رجالُه ثقات إلى الفقهاء، وإلى الرازي، وإلى المؤيَّد بالله عليه السلامُ، فإنه كما لا يجوزُ الكذِبُ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نسبةِ الحديثِ إليه، فكذلك لا يجوزُ الكذبُ (١) على العلماء في نسبة المذاهبِ إليهم إلا بعدَ ثبوتِ طريق صحيحة.
الإشكال الثاني: أنَّ السيدَ قال: فهو مروي مِن أئمتنا عن المؤيَّد باللهِ موهما أنَّه ما روِيَ إلا عنه، وهذا تحاملٌ عظيمٌ، ونزوح عن الإنصاف إلى مكانٍ سحيقٍ، ولو كان خلافاً يخفى، لحملنا السَّيِّد على جهلِه، ولكنه منصوصٌ في " اللُّمَع " يُقرئه السيدُ كُلِّ عامٍ أن المؤيدَ بالله عليه السلامُ روى قبولَ كفار التأويل فضلاً عن فساقه عن جميعِ أصحابنا، وقد ذكر السيدُ في كتابه أن لفظَ أصحابنا يُفيد الإجماع، وأما الروايةُ في غير " اللمع "، فهي كثيرةٌ جداً، ولا لومَ على السَّيِّد في تركها، فلعلَّه لم يعرِفْها، وسيأتي بيانُ ذلك في الفصلِ الثاني إن شاءَ اللهُ تعالى.
(١) في هامش (ب) ما نصه: يغلب على ظني أن هذه العبارة سبق قلم، والمراد: لا يجوز الرواية عن العلماء ... إلخ، وإلا لكان الاستثناء في قوة أن يقال: إلا بعد ثبوت طريق صحيحة، فيجوز الكذب على العلماء، ولا صحة له إلا بوجه بعيد. قاله عبد الله بن علي عفي عنه. نقل من خطه.