للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجربوا حُسْنَ معرفتهم، بل أعظم من هذا أن الفقهاء بَنَوْا على أقوالهم حكماً شرعيّاً، فقالوا: من ادَّعى الطب، وليس بطبيب، فقتل أو أبطل عضواً، وجب عليه القصاصُ في ذلك أو الديةُ على حسب ما اتفق منه من العمدِ والخطأ، ومن كان يَعْرفُ الطبَّ لم يجب عليه شيء من ذلك، وهذا الطِّبُّ الذي يسقط عنه القود والدية هو معرفة ما قالت اليهودُ والنصارى وسائر علماء الطب على جهة التقليد لهم، والثقةِ بمعرفتهم وصدقهم، وقد أجمع (١) المسلمون على جواز (٢) الإقدام على مداواة الأئمة والعلماء والفضلاء، وسائر المسلمين بأقوال الأطباء في كتبهم متى كان المداوي من أهل المعرفة التامة بمقاصدِ الأطباء، والعلم بما وضعوه هذا مع ما في مداواة الأئمة والعلماء من الخطرِ العظيم لجواز أن تكونَ تلك الأدوية سبباً لموتهم متى كان الواضعُ لها غيرَ صادق في كلامه ولا بصيرٍ (٣) في علمه، ويدل على ذلك مع ما تقدم وجوه:

الأول: أجمع العقلاءُ من أهل الإِسلام وغيرِهِم على أن الإنسانَ يرجِعُ إلى تصديق عدوِّه وقبولِ كلامه حيث يظن صدقه في أمور الحربِ والإصلاح، فمن ذلك أن الكفارَ إذا عقدوا الذمة بينَهم وبينَ المسلمين، جاز للمسلم أن يأمَنهم، ويَدْخلَ بلادَهم لحاجته ركوناً منه إلى ما وثق به من ظن صدقهم في أنهم يفون، ولا يَغْدِرُونَ، وإلا لوجب أن يحرمَ ذلك عليه، ويكون فاعله ملقياً بنفسه إلى التهلكة راكناً بذلك إلى الظلمة، وهذا خلافُ إجماعَ المسلمين.


(١) في (ج): اجتمع.
(٢) " جواز " ساقطة من (ب).
(٣) في (ج): نظير، وهو خطأ.

<<  <  ج: ص:  >  >>