للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذي علمٍ عليم. وهو كذلك أقوى أدلَّةِ أهل السنة، والله أعلم.

فأقول -مع اختصارٍ يسيرٍ- ذكر الشيخ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب لأهل الحديث على ذلك أدلَّةً:

الدليل الأوّل: أن الله قد أخبر عن أعلم الخلق (١) في زمانه، وهو كليمه ونَجِيُّه وصَفِيُّه من أهل الأرض أنه سأل ربَّه تعالى النظر إليه، فقال له ربُّه تبارك وتعالى: {لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} [الأعراف: ١٤٣]، وبيان الأدلة (٢) من هذه الآية من وجوه عديدة:

أحدها: أنه لا يُظنُّ بكليم الرحمن ورسوله الكريم عليه أن يسأل ربه ما لا يجوزُ عليه، بل هو من أبطل الباطل وأعظم المُحال، لأنه سأله النظر جازِماً بصحته، ولم يسأله عن صحته، ولا وقف سؤاله على شرط صحته، وإنما سأله على أمر جليٍّ عنده، لا (٣) ينبغي عنده الشك في إمكانه وتجويزه، كقول إبراهيم: {أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: ٢٦٠]، فلو كان يعتقد تعطيل الرب سبحانه، لقطع بفطرة عقله أن رؤيته ممتنعةٌ كما اعتقد ذلك من عطَّلهُ سبحانه، وهو عند فروخ اليونان (٤) والصابئة والفرعونية بمنزلة أن يسأله أن يأكل ويشرب وينام ونحو ذلك مِمَّا يتعالى عنه. فيالله العجب كيف صار أتباع الصابئة والمجوس وفروخ الجهمية والفرعونية أعلم بالله تعالى من موسى بن عِمران، وبما يستحيلُ عليه ويجب له، وأشدَّ تنزيها له منه.

الوجه الثاني: أن الله سبحانه لم يُنْكِرْ عليه سؤاله، ولو كان محالاً لأنكره


(١) في (ج): الخلق به.
(٢) في (ش): الدلالة.
(٣) في (أ): ولا.
(٤) في (ب): اليونانية.

<<  <  ج: ص:  >  >>