للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديثُ الرابع: حديث محاجة آدم وموسى عليهما السلام (١). وقد ذكره السيد فيما يدلُّ على الجبر مما في الصحاح، وليس فيه من الجبر شيءٌ، كما سوف أُنبِّه عليه إن شاء الله، ولا ورد في " الصحاح " شيءٌ مما يقتضي الجبر وخَلْقَ أفعال العباد البتة، لا مما يمكن تأويله، ولا مما لا يمكن، فاعرف هذه الفائدة، وإنما ورد في " الصحاح " ذكر القَدَر والإيمان به لا سوى، وليس في ذلك شيءٌ من الجبر ولا من خلق الأفعال، لا على مذهب العدلية، ولا على من يُعتدُّ به من أهل الحديث وسائر الفرق.

والجواب ما ذكره شيخ الإسلام أحمد بن تيمية الحنبلي في كتاب " الفرق بين الأحوال الربانية والأحوال الشيطانية " (٢)، فإنه لما ذكر هذا الحديث، قال: وهذا الحديث ضلَّت فيه طائفتان: طائفة كذَّبت به لما ظنوا أنه يقتضي رفع الذَّمِّ والعقاب عمن عصى الله لأجل القدر.

وطائفة شرٌّ من هؤلاء، جعلوه حُجَّةً، وقد يقولون: القدَرُ حجة لأهل الحقيقة الذين شهدوه، أو الذين لا يرون أن لهم فعلاً، ومن الناس من قال: إنما حجَّهُ لأنه أبوه، أو لأنه قد تاب، أو لأن الذنب كان في شريعةٍ، واللوم في شريعةٍ أخرى، أو لأن هذا يكون في الدنيا دون الآخرة.

وكل هذا باطلٌ، ولكن وجه الحديث أن موسى عليه السلام، لم يلُم أباهُ إلا لأجل المُصيبة التي لَحِقَتْ أولاد آدم من أجل أكلِه الشجرة، فقال له: لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فلم يلُمْه لمجرد كونه أذنب ذنباً وتاب منه، فإن موسى عليه السلام يعلم أن التائب من الذنب لا يُلام، ولو كان آدم يعتقد رفع الملام عنه لأجل القَدَر، لم يقل: {ربَّنا ظلمنا أنفسنا} [الأعراف: ٢٣].

والمؤمن مأمورٌ بالصبر عند المصائب، والاستغفار من المعايب، قال اللهُ تعالى: {فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [غافر: ٥٥].


(١) تقدم تخريجه ١/ ٢١٨.
(٢) ص ١٠٦ - ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>