للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فانظر هذه الأشياء متأمّلاً لها بتدبُّرٍ وإنصافٍ، وضُمَّ (١) ذلك إلى النظر في ترشيح الاستعارة الذي قدمته، وما ورد فيه من المبالغة العظيمة، ثم اعرِضْ نفسك قول السيد أن تأويل حديث جريرٍ يقتضي التشبيه الصريح القبيح هو ومن تابعه على لفظه ومعناه، وهم نيِّفٌ وثلاثون صحابياً، ذكرهمُ النفيس العلوي في كتابه في " الرؤية "، وذكر أكثرهم ابن قيم الجوزية في أواخر كتابه " حادي الأرواح " (٢)، ذكر منهم ستة وعشرين والرواة (٣) عن كل واحدٍ منهم متفاوتون في الكثرة، وإنما بلغ المعتزلة حديث جرير مع إضرابهم عن علم الحديث؛ لأن رُواته كثروا أخيراً (٤) حتَّى بلغوا سبع مئة نفسٍ، فظن كثيرٌ منهم أنه شذَّ بذلك من دون الصحابة، فاعجب مِن قوله: إن تأويل حديث جريرٍ متعذِّرٌ متعسف، وتصريحه بأن رواية المحدثين له (٥) واحتجاجهم به يدل على ذهابهم إلى التشبيه، لما في الحديث من ذكر القمر وتدويره، أو كما قال السيد وإذا تقرر أن التشبيه لا يلزم أن يكون إلاَّ في بعض الوجوه؛ نظرنا في تشبيه العلم، أو الرؤية بالله تعالى برؤية القمر التام المتجلي: هل هو في الذات، أو في غيرها، فوجدنا العلم ذاتاً حقيقة، والرؤية ليست بذاتٍ على القول المنصور في علم الكلام، فلم يكن بينهما شَبَهٌ ذاتي البتة، فكذلك على القول بأن الإدراك معنى ثبوتي، لا يكون بينه وبين العلم مماثلةٌ أيضاً؛ لأن المعاني مختلفة في ذواتها، فكما أن العلم لا يُشبه السواد، ولا الحركة شبهاً ذاتياً يقتضي المماثلة، فكذلك لا يشبه الإدراك بالحواس الخمس شبهاً ذاتياً، وإذا سلمنا أنهما يشتبهان، فأين جلال الله تقدس وتعالى عن هذا؟ فإنما ورد الحديث بتشبيه علمنا به تعالى أو رؤيتنا برؤية القمر، فأين لزوم الشبيه والتجسيم للرؤيتين بعضها ببعض؟ لا يستلزم التشبيه للمرئيين قطعاً.


(١) " وضم " ساقطة من (ش).
(٢) ص ٢٠٥ - ٢٣١، وقد تقدم تخريجها في الجزء الخامس.
(٣) في الأصول: " والرواية "، والجادة ما أثبت.
(٤) " أخيراً " ساقطة من (ش).
(٥) " له " ساقطة من (ش).

<<  <  ج: ص:  >  >>