للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة السابعة: شهادةُ الوالد لأولاده وأحفادِه وشهادة الأولاد لآبائهم وأجدادهم وهي مرتبةٌ أضعفُ من المرتبة الأولى وقد اختلف العلماءُ فيها (١) ولم يجمعوا على بطلانها كشهادةِ الإنسان لنفسه، لأن حُبَّهُ لنفسه أقوى، وإن توهَّم بعضُ الناس أن محبته لأولاده أقوى، فهو خيالٌ كاذب ينكشِفُ بطلانُه وقتَ الشدائد العظيمة، ولهذا أخبر اللهُ تعالى: أن الناس يودُّون يومَ القيامة أن يَفْدُوا أنفسَهم من العذاب بأولادِهم وأهليهم، ولما كان حُبُّ الإنسان لأولاده وآبائه أضعفَ مِن حُبه لنفسه، اختلف العلماءُ فيها، فقال بعضُهم: هي تُهمة شديدة قد تحمِلُ على الباطل عند فورةِ الغضب، والعصبيَّةِ في الخصومات، وشدةِ المنازعة في الحكومات، وخوف غلب القرين، وشماتة الحاسدين، فأوجبت الشَّكَّ، فوجب طرحُها قياساً على شهادة الثقة على عدوه، فإنَّها غيرُ مقبولة مع عدالته لأجل التُّهمة، فكذلك هذه، وقال آخرون: ليست تقوى على القدح في الوازع الشرعي،


(١) جاء في " المغني " لابن قدامة ٩/ ١٩١: ظاهر المذهب أن شهادة الوالد لولده لا تقبل، ولا لولد ولده وإن سفل ... ولا تقبل شهادة الولد لوالده ولا لوالدته ... وبه قال شريح والحسن والشعبي والنخعي ومالك والشافعي وإسحاق وأبو عبيد وأصحاب الرأي.
وروي عن أحمد رحمه الله رواية ثانية: تقبل شهادة الابن لأبيه، ولا تقبل شهادة الأب له، لأن مال الابن في حكم مال الأب، له أن يتملكه إذا شاء، فشهادته له شهادة لنفسه أو يجُرُّ بها لنفسه نفعاً قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " أنت ومالك لأبيك " وقال: " إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن أولادكم من أطيب كسبكم فكلوا من أموالهم " ولا يوجد هذا في شهادة الابن لأبيه.
وعنه رواية ثالثة: تقبل شهادة كل واحد منهما لصاحبه في ما لا تهمة فيه كالنكاح والطلاق والقصاص والمال إذا كان مستغنىً عنه، لأن كل واحد منهما لا ينتفع بما يثبت للآخر من ذلك فلا تهمة في حقه.
وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن شهادة كل واحد منهما للآخر مقبولة، وروي ذلك عن شريح، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وأبو ثور، والمزني، وداود، وإسحاق وابن المنذر لعموم الآيات، ولأنه عدل تقبل شهادته في غير هذا الموضع فتقبل شهادته فيه كالأجنبي ...

<<  <  ج: ص:  >  >>