وإمامنا أبو حنيفة وإن لم يجعل الأعمال جزءاً، لكنه اهتم بها، وحرض عليها وجعلها أسباباً سارية في نماء الإيمان، فلم يهدرها هدر المرجئة إلا أن تعبير المحدثين القائلين بجزئية الأعمال، لما كان أبعد من المرجئة المنكرين جرئية الأعمال بخلاف تعبير إمامنا الأعظم رحمه الله تعالى: فإنه كان أقرب إليهم من حيث نفي جزئية الأعمال، رمي الحنفية بالإرجاء، وهذا كما ترى جور علينا فالله المستعان. ولو كان الاشتراك -مع المرجئة- بوجه من الوجوه التعبيرية كافياً لنسبة الإِرجاء إلينا، لزم نسبة الاعتزال إليهم -أي إلى المحدثين- فإنهم -أي المعتزلة- قائلون بجزئية الأعمال أيضاً كالمحدثين، ولكن حاشاهم من الاعتزال وعفا الله عمن تعصب، ونسب إلينا الإرجاء، فإن الدين كله نُصح، لا مراماة ومنابزة بالألقاب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. ويطلق الإرجاء أيضاً على من توقف عن تصويب إحدى الطائفتين من الصحابة الذين تقاتلوا بعد عثمان رضي الله عنه، وعلى من لا يقول بزيادة الإيمان ونقصانه. والمذموم من ذلك كله هو قول من يقول: لا تضر مع الإيمان معصية. وعليه فلا يسوغ لأحد أن يتسرع في اتهام كل من أطلق عليه الإرجاء، بل لا بد من الفحص عن حاله، فإن كان لإرجائه أمر الصحابة الذين تقاتلوا والتوقف في تصويب إحدى الطائفئين؛ أو لقوله بعدم دخول الأعمال في حقيقة الإيمان أو أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، فهو من أهل السنة والجماعة، ولا يعد ذلك طعناً في حقه، أما من أطلق عليه الإرجاء لقوله بعدم إضرار المعاصي فهو الذي يتهم في دينه، ويسقط الاحتجاج بخبره، ولا يعتد بقوله. قال الإمام الذهبي في " ميزان الاعتدال " ٤/ ٩٩: أما مسعر بن كدام فحجة إمام، ولا عبرة بقول السليماني: كان من المرجئة مسعر وحماد بن أبي سليمان، والنعمان، وعمرو بن مرة، وعبد العزيز بن أبي رواد، وأبو معاوية، وعمرو بن ذر ... وسرد جماعة. قلت - (القائل الذهبي): الإرجاء مذهب لعده من جلة العلماء، لا ينبغي التحامل على قائله. وانظر " الرفع والتكميل " ص ٢١٦ - ٢٥٢ للعلامة اللكنوي، فقد أجاد في بحث الإرجاء غاية الإجادة، ولم يدع فيه قولاً لمستزيد.