عُرِفَ منهم بالعبادة العظيمة، والمحافظةِ الشديدة على ما يعتقِدُ أنَّه واجب، والمعلومُ بالضرورةِ لِكل فرقة من فرق الإِسلام أن في المرجئة عُبَّاداً وزهاداً يقومون الليل، ويحيونه بالتلاوة، وينتحِبُونَ بالبكاء العظيم من خوف العذاب الأليم، ويحافظون من النوافل على ما هُوَ أشَقُّ من المفروضات بأضعاف مضاعفة، ويتركون المعاصي والمحرمات. فقولُ السيد: إنهم يرتكبون الكذبَ وسائرَ المعاصي غيرُ صحيح بالضرورة، لأنهم إما أن يُدَّعى إن ارتكابَهم للمعاصي مشاهَدٌ بالأبصار، فذلك مُبَاهَتَةٌ، وأما أن يُدَّعى أن فعلَ الطاعة، واجتنابَ المعصية غيرُ مقدور لهم لبطلان الداعي، وانتفاء الصارف، فذلك غيرُ صحيح، ولا سيما عندك لو قَدَّرْنَا بطلانَ الداعي، وانتفاء الصارف، لكنه غيرُ باطل كما سيأتي، وإما أنْ نُقِرَّ أن فعلَ الطاعة، واجتنابَ المعصية مقدور لهم، ممكن وقوعُهُ منهم في العقل والشرع، فما معنى قطعه بأنَّهم فعلُوا أحد الجائزين؟ وهلاَّ قال: إنهم يفعلونَ الطاعة، ويترُكون المعصيةَ، لأن ذلك مقدور لهم، ولهم إليه أعظمُ الدواعي من المنافسة في مراتب الآخرةِ والتعرض لنفحات رحمة (١) من يعتقدون أنَّه أرحمُ الراحمينَ، وأكرمُ الأكرمين، والمالك لِخَيْرِ الدَّارَيْنِ، وقد قررَ السَّيدُ أنَّه لا يجوزُ للإنسانِ أن يخْبِرَ بخبر يجوزُ أنه كذب، فكيف أخبر عن جميع المرجئة بارتكابِ الكذب وغيرِه من المعاصي بمجرد الجُزَافِ من غير دليل يَدُلُّ على ذلك لا مِن العقل، ولا مِن السمع؟ وليس يجوزُ مثلُ هذا الكلامِ في الفسَّاقِ المصرِّحين إلا في ما شُوهِدَ من معاصيهم، فليس لك أن تقولَ في قاطِع الصلاةِ: إنَّه يَشْرَبُ الخمرَ، ولا في شاربِ الخمر: إنَّهُ يزني، ولا في الزاني: إنَّه يُربي، ولا